كان الأمر واضحاً منذ أعوام، راهن اللبنانيون على التغيير والتطهير، والعمل الجاد والمسؤول على استعادة الدولة المنهوبة العفنة والفالتة كرماً على درب، من براثن العصابات ولكن عبثاً: من سيىء الى اسوأ، صرنا في قعر الدول الفاشلة وحققنا اكبر فضيحة عالمية في الفساد منذ مئتي عام، كما اعلن البنك الدولي قبل أيام، فلقد تعوّد اللبنانيون على ان المرجعية في النهاية هي الطائفة والزعيم، لا القانون ولا الوطن ولا كلنا للعلى والعلم!

وهكذا لم يكن غريباً ان يخنع المواطن اللبناني ويقبل بقول ياسر عرفات يوماً، انه “يحكم لبنان من صبرا”، ثم لم يكن غريباً ان يخنع اكثر مع الاحتلال السوري، [وبعض ملامحه مستمرة حتى الآن]، وان يصبح تعيين رئيس جمهوريتنا نافذاً بمجرد تصريح صحافي، كما فعل حافظ الأسد في جريدة “الجمهورية” المصرية، وان تصبح مرجعية الدولة في عنجر مقصد “المحظوظين وأمرك سيدنا” الذين حكموا لبنان كل هذه الأعوام.

فمن ان يأتي التغيير وكيف يمكن الإنقاذ اذا كان الروح القبائلي بات يتقدم ويسود على الروح الوطني والرابط الاجتماعي، وهكذا لم يكن غريباً مثلاً ان يصدر قبل أيام قرار شراء الفيول مما تبقى من ودائع الناس ومن الإحتياط الإلزامي، لخردة الكهرباء التي لم تفلس الدولة، بفلتانها وصفقات مازوتها، التي تحدثت عنها “سوناطراك”، ومع الكارتيل السياسي التجاري المعروف جيداً، بل اكثر من ذلك مع تأخر وزارة الطاقة عينها عند دفع فواتير الكهرباء والماء المتوجبة عليها من أعوام والتي تبلغ عشرات المليارات!

ولماذا الحاجة الى الكهرباء والنيون يا طويل العمر، للبنان الذي سيتحول كهفاً بدائياً من كهوف العصر الحجري في خلال اسابيع، أم لمجاهل عكار والضنية والمنية وطرابلس والبقاع والجنوب، وحتى عدد من أحياء عاصمة النور بيروت التي لم تصلها الكهرباء والماء منذ شهور، بل انهم يستنيرون عادة بحرق الدواليب.
كل هذا تفاصيل وربما اقل من التفاصيل، ما هو اخطر واهم واكثر فضيحة ان تتوالى انتحارات المعوزين والفقراء العاجزين عن اطعام عيالهم، وان يغرق نصف الشعب اللبناني في مستوعبات النفايات بحثاً عن لقمة معفنة، وان لا نرى او نقرأ قراراً من المسؤولين من المستوى الرئاسي الى الوزاري والنيابي والى صفّ آلاف المديرين العامين وأعضاء مجالس إدارات ومجالس التنفيعات والنهب، يقررون الصيام ولو ليوم واحد تحسساً مع مواطنيهم، الذين عليهم ان يذهبوا الى الجحيم، فما المانع؟

هل كان من المعيب مثلاً ان يقرر كل هؤلاء الإستغناء عن نصف رواتبهم لدعم الفقراء، بدلاً من سياسة “دولة لله يا محسنين”، التي يخاطبون بها الدول الشقيقة والصديقة، بعد ان يمطرها البعض بالشتائم والتهديد، وهل قرر عدد من المديرين المعظّمين الذين يعملون ايضاً في اربعة او خمسة مجالس إدارية، ان يتخلوا عن بعض رواتب النصب الحرام على الدولة؟

أبداً، كل ما جرى ويجري حتى في أسوأ المراحل المعيبة والفاضحة التي اوصلوا الشعب اليها، انهم يتصرفون وكأنهم يقولون للناس: جوعوا و#نحن نأكل عنكم، عيشوا في الكهوف والمغاور وربما المقابر، ونحن مستمرون في صرف آخر فلس تملكه ارملة منسية في هذا البلد.

هل سمعتم يا سادتنا الأكارم بكاليندا جابار من كرواتيا، هل شاهدتم فرنسوا هولاند خارجاً من السوبرماركت يحمل اغراضه بما في ذلك ورق التواليت، عندما لم يعد رئيساً في الإليزيه، هل شاهدتم انغيلا ميركل منكبّة على شراء حاجاتها بنفسها في محال البقالة، هل تعرفون ان راتب فلاديمير بوتين لا يزيد على 260 دولاراً في الشهر؟
سنتحدث غداً عن كل هذا.