تحديد وتثبيت الخطوط الحمر سيكونا الهدف الأبرز في القمّة الأميركية - الروسية التي تُعقَد الأربعاء المقبل في نهاية جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأوروبية وقِممه المهمّة العديدة مع حلفاء شمال الأطلسي "الناتو"، ومجموعة الدول الصناعية G7، ومع الاتحاد الأوروبي. الجولة بدأت بلقاء بين الرئيس الأميركي ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بنكهة استعادة العلاقة المميّزة بين الحليفين، وستنتهي في جنيف في لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدفه استدراك التوتّر مع إصرار كل من الرئيسين على إبلاغ الآخر ان لديه خطوطاً حُمراً يجب أن يعيّها.

ليس من المتوقع أن يحدث اختراق في القمّة الأميركية - الروسية التي أصرّ الجانب الأميركي ألاّ يكون لها أجندات محدّدة، وهذا للمرة الأولى في تاريخ القمم الأميركية - الروسية. إنها قمّة إصلاح الانطباع عبر التقاط الصور، ما يفيد رجال الأعمال أكثر من رجال السياسة، علماً أنها ستستغرق 3-4 ساعات فيما عُقِدَت القمم السابقة لأيام معظم الأحيان. وفي المعلومات، لم يوافق فريق الرئيس الأميركي على مسودّة بيان اقترحها الفريق الروسي بغية انتهاء القمّة ببيان، كما لم يوافق على عقد مؤتمر صحافي مشترك للرئيسين.

مسودّة البيان الروسي، حسب المعلومات، انطوت على فقرة تؤكّد عدم تدخّل احدى الدولتين في الشؤون الداخلية للأخرى - وهذا لربما أهم سبب لرفض الأميركيين لإصدار بيان. فريق بايدن تجنّب وضع برنامج عمل أو أجندة للقمّة كي لا يجد الرئيس بايدن نفسه مُضّطراً ومُلزَماً لبحث أمر من دون الآخر لا سيّما أن ما يسبق هذه القمّة من مواقف أميركية وأوروبية نحو روسيا لن يكون اطراءً على أداء الكرملين، لا على الصعيد الداخلي ولا في ملف أوكرانيا وبيلاروسيا.

هذه الأمور ستكون جزءاً أساسياً من الخطوط الحمر الأميركية. بايدن لن يتمكن من هضم إجراءات بوتين في مجال حقوق الإنسان التي جعل منها شِعاراً لحملته ورئاسته، لا سيّما في ما يتعلق بالمعارض اليكسي نافالني. القمم التي تسبق قمّة بايدن - بوتين ربما تتبنّى فرض عقوبات إضافية بسبب قرار القضاء الروسي الأخير حظر شبكة منظمات نافالني وتصنيفها "متطرّفة".

ثم هناك مسألة أوكرانيا وبيلاروسيا حيث ينوي بايدن لهما أن تكونا ضمن الخطوط الحمر، إنما من دون عبور الخطوط الحمر لبوتين والتي تشمل رفضه قطعاً إدخال أوكرانيا عضواً في حلف شمال الأطلسي. ينوي بايدن الاجتماع بقادة الدول الأوروبية الشرقية، وستزداد لغة "العداء" لروسيا من الدول الغربية. لكن قرار عضويّة أوكرانيا في الناتو لن يُتّخذ بدليل أن الرئيس بايدن تحدّث بلغة فتح الباب وليس بلغة حسم دخول أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي.

الرئيس الروسي يريد أن يركّز على الخطوط الحمر في ما يتعلق بالأمن الاستراتيجي العسكري. لديه ولدى نظيره الأميركي رغبة لبحث مسألة الأمن الالكتروني Cyber security والهجمات السيبرانية لكن أسلوبهما في معالجة هذه المسألة يختلفان تماماً. كلاهما يتوجّه للقاء الآخر متوقعاً أن تتطرّق المحادثات الى شتى الأمور الثنائية والدولية المهمّة، لكن فريق كل منهما يحمي رئيسه من الآخر. وما يتوقعه فريق بوتين هو أن يكون اللقاء قمّة تبادل الآراء وليس قمّة القرارات الصعبة.

رغم ذلك، ضمن ما تنوي موسكو التأكيد على أهميته هو المسائل التالية: تحقيق الاتفاق العام على تجديد المحادثات الخاصة بنزع السلاح، بمعنى التشاور وليس بصورة "ستارت" START، المعاهدة الأميركية التي وُقِعت أساساً مع الاتحاد السوفياتي السابق لتخفيف ووضع حدود للأسلحة العدائية الاستراتيجية وتم تجديدها مع روسيا؛ إيجاد الحلول للحرب الدبلوماسية الجارية عبر إقفال القنصليات وطرد الدبلوماسيين المتبادل. هذان الأمران واردان. هذا الى جانب احتمال الاتفاق على خطوات مشتركة لضبط الوضع في أفغانستان.

تقول المصادر الروسية المطّلِعة انها تتوقع أن يتطرّق حديث القمّة الأميركية - الروسية الى الشبح الذي سيخيّم على كل لقاءات الرئيس الأميركي في أسبوعه الأوروبي، وهو الصين. وحسب قولها، سيحاول الرئيس بايدن إقناع الرئيس بوتين "ألا يبقى مقرّباً جدّاً من الصين، وسيكون الرد أن التعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين سيستمر... ولكن من دون زيادة مستوى التعاون العسكري بالضرورة". هذا علماً أن بين أهم طيّات التعاون العسكري هو "شبكة الدفاع الجوي المشترك" بين روسيا والصين.

ما تخشاه المصادر التي تُراقب عن كثب تطوّر العلاقات الأميركية - الصينية هو اندلاع نزاع عسكري أميركي - صيني "محلّي" أي في محيط تايوان. وتضيف، أن الصين "تعرف أن الولايات المتحدة تُخطط لهذه العمليات العسكرية، للخريف المقبل، وتتهيّأ لها".

إنما ما تركّز عليه الولايات المتحدة حالياً هو مضاعفة الضغوط التكنولوجية وضغوط الأسواق على الصين علماً أن مجلس النواب أقرّ الثلثاء الماضي ميزانية 250 مليار دولار للتصدّي لطموحات الصين التكنولوجية، وأن الرئيس بايدن مدح بالقرار واعتبره أساسياً في التنافس التكنولوجي مع الصين. بايدن جعل من الصين حجر أساس في جولته الأوروبية وسعى لرصّ الصفوف وراء المواجهة الغربية مع الصين. والصين ستكون "حاضرة" في القمّة الأميركية - الروسية.

إيران ستكون "حاضرة" أيضاً إنما من منطلق فيينا وما تنطوي عليه المفاوضات على الاتفاق النووي JCPOA من تفاصيل تتعلّق بنوعية العقوبات التي تقاوم الولايات المتحدة رفعها، أي العقوبات العسكرية، وهي العقوبات التي تريد روسيا بشدّة رفعها عن إيران لأنّها متأهّبة لبيعها صفقات أسلحة ضخمة. الأرجح ألاّ يتوصّل الرئيسان الى التفاهم حول هذه النقطة، الا أن حرص المفاوضين الأميركيين والروس على استمرار العمل نحو إنجاح محادثات فيينا سينعكس على القمّة.

الأمر يعتمد على ماذا سيتوصل اليه المفاوضون يوم الثلثاء المقبل قبل يومٍ من القمّة في 16 الشهر الجاري. التوقعات هي أن يتم التوصّل الى اتفاق عام يبعث المؤشرات على أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح إنما من دون انتهاء مفاوضات فيينا بالتوافق على الحلول النهائية. فإدارة بايدن ليست جاهزة لرفع العقوبات العسكرية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما طهران ما زالت تتمسّك برفع كامل العقوبات. هذه التفاصيل الفائقة الأهمية غير قابلة للتغطية بورقة التين. لذلك، قد يتم التفاهم على تأخير الاتفاق النهائي فيما يستمر العمل على التفاصيل. وهذا يعني، عمليّاً، أن لا اتفاق شاملاً في الأفق قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كما كان يسعى اليه المفاوضون. إنما التأخير لا يعني الفشل وإنما هو تأجيل الى حين حلّ عِقدة العقوبات العسكرية وغيرها من العِقد.

بين المسائل الإقليمية التي الأرجح أن تبرز في قمّة بايدن - بوتين هي مسألة الضمانات الأمنية الاضافية لإسرائيل التي سيريد الرئيس الأميركي من الرئيس الروسي المشاركة فيها. هذا يتطلّب من روسيا استخدام نفوذها مع إيران لكبح "حزب الله" من لبنان. يتطلّب أيضاً من موسكو احتواء الجبهة السورية بمختلف لاعبيها - السوري والإيراني و"حزب الله" - بضمانات أمنية لإسرائيل.

الأرجح أن يوافق بوتين على تلبية هذا الطلب إنما ما قد يصعب عليه هو تقديم الضمانات. سيسعى مجدّداً مع إيران لتقديم هذه التطمينات، إنما مفتاح الضمانات هو في يد طهران وليس في أيادي الكرملين. وطهران غير جاهزة ولا مستعدّة لتقديم هذه الضمانات ما لم يكن في اطار الاتفاق الكامل على إحياء الاتفاق النووي بشروطها، وفي مقدمها رفع العقوبات كاملة.

ما لن يوافق عليه بوتين هو عودة القوات الأميركية الى روسيا - كما يتردّد أن هذا ما يريده بايدن. قد يوافق على استخدام النفوذ مع رئيس كوريا الشمالية. لكن مسألة حقوق الإنسان، ونافالني بالذات، قد تكون عثرة أخرى إذ إن الرئيس الأميركي سيكون حازماً مع نظيره الروسي بأن المزيد من العقوبات آتية إذا ازداد الأمر سوءاً في هذا الأمر أو في مسألة أوكرانيا وبيلاروسيا.

لذلك ستكون هذه قمّة اللامفاوضات. ستكون قمّة تعريف وتحديد fix ما هي الخطوط الحمر مع تبادل الآراء. وكما قال مخضرم روسي "إن الوضع سيئ لكنه ليس الأسوأ"، في إشارة الى العلاقات الأميركية - الروسية. ولذلك فإن قمّة "الصورة" ستُعقَد كمؤشر على الرغبة بالاحتواء وليس المواجهة. فقليل من الود في زمن العداء مفيد للطرفين، ولذلك هناك إصرار من الرئيسين على عقد القمة مهما كانت غير مذهلة وباردة