تضمنت الدَّعوة إلى مظاهرة، بمناسبة وفاة جعفر الصَّادق (148 توفي هجريَّة)، احتجاجاً على تمثال أبي جعفر المنصور(ت: 158هجريَّة)، عبارة «يسقط صنم المنصور»، وفيها:«وقفة احتجاجيَّة لنصرة الإمام الصَّادق ضد صنم المجرم المنصور الدَّوانيقي قاتل الإمام»(8/6/2021). أوصى محشدو المظاهرة:«رفع رايات الحُسين، رفع شعارات البراءة مِن أعداء الله». لقد صار الحُسين رايةً يرفعونها «إلى غرض يقضونه وأداة»، أما «أعداء الله» فهي «الولاء والبراء»، غير المقصور على «القاعدة» أو «داعش»، بل يرفعه الطائفيَّون والإسلاميون كافة.
قبل ثلاث سنوات، اعترض عضو برلمان على كلمة ذكر قائلها بغداد ببلد الرَّشيد، فرد عليه:«وصمة عار على بغداد هؤلاء الذين قتلوا أئمة أهل البيت»(جلسة البرلمان العراقي في 16 سبتمبر 2018). كان كلا البرلمانيين شيعيين، مَن اعترف بفضل الرَّشيد مِن النَّجف، لا يُزايد على شيعيته وإجلاله لأهل البيت، فهو ولد وتربى جوار مرقد علي بن أبي طالب، أما الناقم فكان شيعياً ينتمي إلى حزب يعتبر النّفط «مجهول المالك»، لمرجعه الحزبي التَّصرف به.
كان تصرف النَّائب ثقافةً يُراد للعراق الحجر في كهفها، وفقها كلّ خراب يُفسر بالماضي، الماضي المحمول على روايات نسجها خيال مَن سمّاهم فقهاء الشِّيعة غلاةً، ومع مرور عشرات القرون، إلا أن المصلحة والروايات نفسها صالحة التَّفعيل «لكلِّ زمان ومكان». فمَن اقتنع أن الشَّمس تشرق مِن المغرب، لستُ بقادرٍ على إقناعه أنها تشرق مِن المشرق، وإن نطقت الشَّمس نفسها بالدَّليل، هكذا كان صاحبنا البرلماني، حسب الدِّيمقراطيَّة المذهبيَّة.
لذا صدقَ الأتباع، بلا عناء، حديث:«ما منا إلا مقتول أو مسموم»(بحار الأنوار)، فالذي يعتقد بما جاء في«بحار الأنوار»، وصاحبه محمد باقر المجلسي(ت:1699م) كبير فقهاء الصَّفويَّة، المملوء وضعاً وثاراً، لا يقنعه مؤسس المرجعيَّة الشِّيعية الشَّيخ المفيد(ت: 413هجريَّة)، الذي سبقه بسبعمائة عام! لا يقنعه عندما نفى قتل الصَّادق، وقال:«الخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف»(تصحيح عقائد الإماميَّة)، ومعنى الإرجاف الأكاذيب والفتن، وهذا ما كان يبثه الغلاة الذين يتبرأ منهم شيوخ الإماميَّة (الطُّوسي، كتاب الغيبة).
مع أنَّ مصدراً يميل إلى الشِّيعة روى أنَّ المنصور حزن لوفاة الصَّادق، وقال فيه خيراً(اليعقوبيّ، تاريخ اليعقوبيّ). ومؤرخ شيعي آخر، قال في لقبه الصَّادق:«فلما ولى أبو جعفر الخلافة سمَّى جعفراً الصّادق، وكان إذا ذكره قال: قال لي الصَّادق جعفر بن محمد»(الأصفهانيّ، مقاتل الطَّالبيين).
نعم ثار وقُتل محمد النَّفس الزَّكيَّة حفيد الحسن، ضد المنصور، ولم يخرج معه الصَّادق، لكنَّ ابن عمَّه الحسن بن زيد بن الحسن تعاون مع المنصور فعينه والياً على المدينة(ابن الأثير، الكامل في التَّاريخ)، بينما قتل المنصور عمَّه عبد الله بن علي(147هجريَّة)، حاسم الأمر للعباسيين، إنها السُّلطة والسِّياسة، أما الصَّادق: «ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحداً في الخلافة»(الشَّهرستاني، الملل والنِّحل).
متاهة كبرى، أنَّ تُدار العقول بنزاعات قبل 14 قرناً، فأيّ أحلامٍ يتوقع تحقيقها، وخطباء المنابر يتاجرون بالرَّوايات. أهذا عصركم، انتقامات وثارات؟! حتَّى أصبحت الدَّماء والثَّروات مطمعاً لعصابات ولصوص النَّهار؟! لمحمد علي اليعقوبي(ت: 1962):«ما القوم إلا لُصُوصٌ كلما ذهبت/عِصابةٌ منهم جاءت عِصاباتُ»(الموسوي، الشَّيخ اليعقوبي).
انظروا إلى المنصور والصَّادق خارج المصلحة الطَّائفية، بعد 13 قرناً، فالمنصور الدَّوانيقيُّ(الدَّانق أصغر عملة)، لم يكن غير مشيد بغدادَ عاصمةً، النَّاشر ظلها شرقاً وغرباً!