حين زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفنانة فيروز تعجَّبْت كثيراً من بيتها المتواضع، إذ من الصعب تقبل أن يكون ذلك بيت فيروز، بينما القصور الفارهة يسكنها مطربو الدرجة الثالثة.

وعلى العموم ليست القصور أو البيوت مهمة، ولكن المهم من يسكن البيت. ففي يوم من الأيام كانت أم كلثوم تسكن فيلا على النيل في الزمالك، وبعد وفاتها باعها الورثة ليقام عليها برج قبيح، وكان ينبغي أن تتحول الفيلا إلى متحف يحمل اسم كوكب الشرق.

أما شقة فيروز المتواضعة فهي لا تصلح أن تكون متحفاً يحمل تراثها، ذلك لأنها قيمة وعلامة مضيئة في تاريخ الأغنية العربية، وكان ينبغي أن تقام لها القصور وليس قصراً واحداً، وأن يتحول سكنها إلى متحف يحمل تاريخها أطال الله عمرها.

ألا تستحق فيروز هدية من أحد أثرياء لبنان؟ ألا تستحق قصراً من أحد عشاق صوتها من الأثرياء العرب؟ نحن إذاً أمام عالم اختلت فيه موازين الأشياء وأقدار البشر، حيث يسكن الكومبارس وفتيات الملاهي الليلية القصور وناطحات السحاب، وتعيش فيروز في شقة متواضعة، ورغم هذا نرى أن شقة فيروز بكل قصور الدنيا.

لا أدري أين المهتمون بالثقافة والفن في العالم العربي من رعاية الفن والفنانين والمبدعين في أوروبا، حيث تحولت عشرات بل مئات القصور إلى متاحف تحمل أسماء فنانين ورسامين وشعراء عاشوا فيها.

كان أحمد شوقي يسكن فيلا أنيقة علي نيل القاهرة «كرمة بن هاني»، أصبحت الآن متحفاً يحمل اسمه وتاريخه.. وكان عميد الأدب العربي طه حسين يسكن فيلا في شارع الهرم بالجيزة «رامتان» فأصبحت متحفاً يحمل اسمه، وكان ينبغي أن تبقى فيلا أم كلثوم تحمل ذكريات عشاقها في كل زمان ومكان.

الملاحظ أن الإبداع في بلادنا لا يلقى التكريم المناسب، وكثيراً ما وصل التكريم لمن لا يستحقه، وفي السنوات الماضية تدفقت الأموال على أشباه الفنانين، حيث الأرصدة والقصور، وبقيت فنانة مثل فيروز تسكن شقة صغيرة في ضواحي بيروت.

وربما تعجب ماكرون رئيس فرنسا وهو يدخل بيتها المتواضع، لأن من كان مثلها في فرنسا يسكن أكثر من قصر، أصبحت مزاراً لعشاق الفن في كل زمان.

عادت هذه الحكاية إلى ذهني وأنا أتابع تاريخ الإبداع في بلادنا، فمن الفنانين والمبدعين من عاش فقيراً، ومنهم من باع كل شيء في سنوات مرضه، ومنهم من أنفق كل شيء على فنه، ثم مات وحيداً لا يملك شيئاً، ومختصر القول: إن فيروز التي وهبت عمرها وفنها للبنان تستحق حياة أفضل.