لعل من أهم ما جاءت به تقنية المعلومات لمجتمعاتنا القدرة على الاتصال، والذي تولدت عنه شبكات التواصل الاجتماعي. وبظهور شبكات التواصل الاجتماعي في حياتنا بدأنا نرى العالم بعيون جديدة. وآثار شبكات التواصل التي نعرفها اليوم لا تتوقف عند حياتنا الخاصة إنما تمتد آثارها إلى مؤسساتنا. فإذا كانت مؤسساتنا اليوم صممت بمعزل عن هذه المتغيرات، فإن الوقت قد حان لإعادة تصميمها. لكن ما التغيرات التي جاءت بها شبكات التواصل وعلينا أخذها في الاعتبار عند تصميم مؤسساتنا اليوم؟

أولى التغيرات التي جاءت بها شبكات التواصل الاجتماعي أن الحديث لم يعد حكرا للقياديين، إنما أصبح لدى الجميع منصة توصل صوتهم دون تفرقة. كان صوت المجتمع يتحرك في نطاق ضيق سابقا، فكان التعبير عن الرأي غالبا في اتجاه واحد، ويتخذ أشكالا رسمية كالكتابة والخطابة. جاءت وسائل التواصل بأساليب جديدة للتعبير عن الرأي إضافة إلى الأساليب القديمة، كالتعبير عن الإعجاب وإعادة التدوير، والاقتباس. ولأن ما يجري في المجتمع يؤثر عميقا في أنماط التفكير والعادات، فإن على المؤسسات أن تتحول لتتأقلم مع هذه التغيرات خصوصا في ما يخص الاتصال المؤسسي.

غيرت وسائل التواصل درجة تفاعل الناس في ما بينهم. كان الوصول إلى أحدهم يتطلب تكلف أعباء كبيرة خصوصا إذا لم يكن شخصية عامة، وإذا كان كذلك فالتواصل محدود مهما كان. إنما بعد وسائل التواصل، فيمكنك الوصول إلى شخصيات كثيرة مهما كانت مغمورة دون جهد يذكر. لا شك أن جودة التواصل تختلف من حالة إلى أخرى، إنما الذي تغير هو نمط التواصل. نتيجة لهذا التغير، فإن المؤسسات التي كان التواصل بينها عموديا، فإنه اليوم أفقي. بمعنى أن العاملين في المؤسسة يشعرون بقدرتهم على الاتصال مع أي من زملائهم دون عوائق، سواء وهم داخل المؤسسة أو خارجها. هذا النمط الجديد من الاتصال له أثره على العلاقات بين العاملين، ويتبع ذلك أنماط من التأثير المباشر وغير المباشر.

نتيجة للعاملين السابقين، توفر لدى الجميع معلومات كثيرة من مصادر متنوعة، حيث لم يعد بإمكان مالكي المعلومة حجبها. ونتيجة لوفرة المعلومات، أصبحت جودتها محل إشكال، حيث يصعب التفريق بين الحقيقة والكذب لغير المتمرس في تفحص الأخبار والبحث في مصادرها. لذلك أصبحت المؤسسة تعيش في واقع جديد، حيث إن المعلومة الصادقة والكاذبة تطفوان على السطح وليس لدى المؤسسة ما تفعله إذا كانت تمارس دورها القديم في اتساع دائرة المحضور والمسكوت عنه مقابل ضيق دائرة المسموح. فمع وسائل التواصل، أصبحت المعلومات تُبث لشغل الفراغ، فإذا تكاسلت مؤسسة ما عن نشر المعلومة الصحيحة فإن المعلومة الخاطئة ستحل محلها. كل هذه التحولات التي تجري اليوم لها تأثيرات عميقة على شكل مؤسساتنا وكيف لها أن تتفاعل مع قضايا المجتمع التي تكونت لخدمته.