لو لم تضع الحرب الإيرانيّة العِراقية أوزارها يوم 8 أغسطس1988، بقبول الخميني القرار(598)، لانتهت بوفاته في 3 يونيو 1989. كان مُصراً متعصباً لاستمرارها، مع محاولات العِراق لوقفها، مبكراً1982، بعد استرجاع إيران أراضيها. مر على وقفها(33) عاماً، ولم تظهر إحصائيات يُعتد بها، ولا كتاب محايد في تاريخها. استمرت ثماني سنوات، حصدت ما حصدت مِن شباب البلدين، وما حُرقت نيرانها مِن ثروتيهما.
احتفل العِراق منتصراً، والقتلى شربوا وأكلوا شعار «الشّهداء أكرم منا جميعاً»! بينما وجه مرشد الثورة كلمةً إلى الشعب الإيراني، جمعها مع أحداث حَجِّ1987، أراد بجمع الحدثين، إعطاء شرعيَّة لاستمرار الحرب، وتأكيد تصدير الثورة، على أنه واجب ديني، معطياً الحق لحجاج إيران بالهتاف السياسي العدائي وهم يطوفون بالبيت، وثقت هذه الكلمة الخطيرة في «صحيفة الإمام الخُميني»(الجزء: 21).
لم تنشب الحرب مفاجأة، فقد ظهر الخميني، قبلها بأيام، يتحدث عن معارك بين مخافِر الحدود، والتظاهرات تجوب المدن الإيرانية لإسقاط الحكم العراقي، وبرقية إلى محمد باقر الصدر، عبر الإذاعة، توصيه بقيادة الثورة الإسلامية بالعِراق. انتبه إلى الخطر المرجع محمد كاظم شريعتمداري(ت: 1985)، الذي نقل عنه الرّفاعي، أبرز مؤسسي حزب «الدعوة»(1959)، وكيله بالشرق الأوسط، إضافة إلى وكالته لمرجعية النجف بمصر: «حكومتنا هذه ستجرنا إلى حرب مع جارتنا الإسلامية العزيزة العِراق! وبيننا وبينها وشائج» (أمالي السَّيد طالب الرّفاعي).
اعتبر الخميني الحرب بين: «الإسلام والكفر»، أو«القرآن والإلحاد». خاطب العِراقيين: «لنتحد للقضاء على هذا النظام... وملاحقة أتباعهِ، وإعدام وتصفية مَن يأبى العودة إلى الإسلام. ونعمل معاً على إقامة دولة إسلاميّة في العِراق، وفي كلِّ بقعة مِن بقاع الأُمة الإسلاميَّة»(صحيفة الإمام). لقد نُفذ ذلك بعد(2003) بتصفيات فظيعة، واستمر «تصدير الثورة». قال: «حربنا هذه حرب العقيدة، لا تعرف الجغرافيا والحدود، وفي حربنا هذه علينا أن نُكرس جهودنا للتعبئة الكبرى لجند الإسلام في العالم بأسره»(نفسه).
بعث البكر(ت: 1982) تهنئة بالانتصار، وكان جواب الخميني ودياً، ليس مثلما يُتداول بأنه ختمها بـ«والسَّلام على مَن أتبع الهدى»: «فخامة السَّيد أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية، تسلمت رسالتكم الوديَّة، حول استقرار الجمهورية الإسلامية، وأشكركم عليها»، وختمها: «وفق الله الجميع للسلم والسّعادة، والسَّلام عليكم»(صحيفة الإمام). فربما كان يمكن للبكر التفاهم مع الوضع الجديد، لِما أحسن به للخميني بالعراق، لكنَّ الغرور بالانتصار، وما سماه بـ«الواجب الإلهي» لا تحده جغرافيا. فكان في بداية أيام انتصاره يستقبل فرسان الإسلام السِّياسي كأبي الأعلى المودودي(ت: 1979) والإخوان المسلمين. لذا كان وقف الحرب تُعثّر المشروع، حتى وصفه بـ«كأس السم» و«أمرُّ مِن الزَّهر»، والزَّهر سموم تُرمى لصيد الأسماك.
كان الإحراج واضحاً في خطابه، للدماء التي امتنع عن حقنها: «تباً لي الذي بقيتُ حتّى هذه اللحظة، وشربتُ كأس السُّم بقبول القرار، وإني أشعرُ بالخجل»(صحيفة الإمام).
بعد أربعة أيام على وقف الحرب، اعترف بالهزيمة، حسب قرار تشكيل محكمة خاصة بالحرب: «إنّ أيّ خيانة أدت إلى هزيمة جبهة الإسلام، وفقاً لتشخيص المحكمة... عقوبتها الإعدام»(نفسه). مع أنَّه اعتبر استمرار الحرب واجباً إلهياً، ووقفها إلهياً أيضاً!
كانت حرباً عبثيّة، قُلنا ربّما يمكن درؤها، لو ظل الوضع بحدود تهنئة الرئيس وجواب آية الله، لكنّه تعداه إلى اقتران السلم بالسم، وكم يكون عصياً على الفِهم عندما يكون هذا الاقتران واجباً إلهياً!
- آخر تحديث :
التعليقات