عجيب أمر العراق خلال العقدين الماضيين، فنزاع المحاصصات بدلاً من أن ينخفض أو يخف يلاحظ المراقبون أنه يتضاعف تشاحنًا ونزاعًا حتى داخل أهل الطائفة الواحدة والمذهب الواحد والمكون الواحد، يُجزّأ فيه المجزأ أو يُفتّت فيه المفتت.

تابعتُ ندوةً تلفزيونية للإعلامي أحمد ملا طلال جمعت أركان المحاصصات قبل أن تبدأ الانتخابات القادمة بعد مدة، اجتمع فيها أركان حرب الطوائف الذين تحدثوا لأكثر من ساعة وربما أكثر دون أن يشير واحد منهم فقط إلى خطورة الاستمرار في نهج المحاصصات الطائفية والمذهبية للمناصب الرئيسية الثلاثة «رئيس البرلمان، ورئيس الحكومة، والرئيس» في حوار بدا منذ أول لحظة معطوبًا ومختلاً ميزانه؛ لأنه بالأساس يقوم على المحاصصة، وزاد الطين بلة أن واحدًا منهم لم يستنكرها أو على الأقل يدعو إلى طي صفحتها الأخطر على مستقبل العراق والتوقف عنها تمامًا بعد مضي عقدين من الزمان، نظامهم الجديد الذي لم يخرج من قفص التقسيمات وفق الطائفة والمذهب.

الدستور العراقي ينص في مواده على مفردة العراق ويؤكدها بشكل مطلق، في حين أن أعراف القادمين إلى الحكم على ظهر الدبابة الأمريكية ما زالوا أوفياء إلى تقسيمات ومحاصصات وضعها بريمر فظلت كاللوح المحفوظ.

قطعًا، المستفيدون منها لا يفكرون ولن يسمحوا بتجاوزها أو إلغاء فكرتها وأسلوب العمل بها، فهي تجارة لا تبور بالنسبة لهم ولذريتهم، والشواهد أكثر من أن تُعد أو تحصى.

ولكنك ستلاحظ أن الحرب على المناصب السيادية بدأ داخل الطائفة الواحدة والمذهب الواحد وتنازع القوم فيما بينهم وبدأ الضرب تحت الحزام وصار المنصب الكبير غنيمة حرب شخصية ذاتية صرفة يستغل فيها الفرد منهم الطائفة أو المذهب للصعود شخصيًا للمنصب الكبير والسيادي، وبعد ذلك ليكن ما يكون وقد ربح الغنيمة الموعودة.

وحتى الذين غنموها في دورات وفترات سابقة عادوا إلى دائرة الترشح وجس النبض تداعب أحلامهم غنائم خبروها وعرفوها عن قرب ويسعون لربحها ثانيةً وثالثة وإلى أن يشاء الله.

فسليم الجبوري: «رئيس مجلس النواب» والمالكي وعادل عبدالمهدي والعبادي وغيرهم كثر شمروا عن سواعد العمل للعودة إلى المقاعد والكراسي والمراسي بإصرار وعزيمة تفتح على كل الاحتمالات وشعارهم المثل الخليجي الشعبي «واحد تعرفه أحسن من واحد تتخبط فيه» رغم أن عددًا منهم خرجوا أو بالأدق أُخرجوا غصبًا وذهبوا غير مأسوفٍ عليهم من أحد مثل عادل عبدالمهدي الذي كان شيوعيًا ماويًا «الصين» عندما كان في فرنسا للدراسة وبعد عودته أصبح بعثيًا، ثم التحق بركب المجلس الأعلى تابعًا لعمار الحكيم وأقام لفترة في طهران العاصمة الولائية.

أما نوري أو جواد المالكي فهو سيعود على ظهر حزب الدعوة وبتزكية من الحزب بوصفه أمينًا عامًا، خطف الحزب من الآخرين واستولى على قرارته وهمش قيادات لم تنصع لأوامره ونواهيه.

وما بين المالكي وعبدالمهدي ووجوه أخرى جربها المجرب «الشعب العراقي»، تتأكد الأساليب الطائفية والمذهبية وتتحكم في انتخابات يُفترض أنها ترسخ الديمقراطية وتجذر المدنية فإذا بها تستغل اليافطة الديمقراطية لترسخ أسلوبًا ونظامًا يضع العراق والشعب العراقي وأجياله القادمة على فوهة بركان الطائفية والمذهبية والعرقية.