عندما نلج إلى عالم البيئة في دولة الإمارات، فإن أول ما يتبدّى لنا هو رجل البيئة الأول ومرجعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي كان اهتمامه بالبيئة والزراعة في منطقة العين وإشرافه على عمل الجداول والأفلاج لتوصيل المياه إلى واحات النخيل فيها، قد طبع شخصيته ورسّخ فيها حب البيئة والشعور بضرورة المحافظة عليها.
وتسميات مثل «بطل الأرض» و«رجل البيئة الأول».. ألقاب كانت جهاتٌ دوليةٌ معنيةٌ بالبيئة قد منحتها للقائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، إضافة إلى قائمة طويلة من الأوسمة والجوائز التي عكست حجم التقدير العالمي للوالد المؤسس وجهوده في مجال البيئة.
لقد تنبّه الشيخ زايد مبكراً لمجال البيئة، وعمل بشكل مباشر على رعاية الزراعة خلال قيامه بمهام نائب الحاكم لإمارة أبوظبي في العين خلال الخمسينيات والستينيات. وابتداءً من ذلك الوقت أصبح المرجع الأول في إصدار الأوامر والقرارات الحامية للبيئة، وخاصة منع صيد بعض الحيوانات والطيور، وتنظيم مواسم صيد الأسماك للحفاظ على المخزون الوطني منها ولضمان تكاثرها.
وقد وضعت دولة الإمارات التشريعات والقوانين التي تحافظ على سلامة البيئة، وبهذا أصبحت أول دولة على مستوى منطقة الخليج والعالم العربي تكون لديها منظومة قوانين ولوائح تنظّم الصيد البحري والبري، وذلك بهدف المحافظة على البيئة. ولا شك في أن تطبيق القوانين البيئية، بحزم وصرامة، هو ما جعل حياة الحيوانات البرية آمنة ونامية في الإمارات.
وأدرك الشيخ زايد مبكراً أن الاهتمام بالبيئة يتجاوز القوانين والتشريعات ليشكل ثقافةً مجتمعيةً، فعمل على تعزيز الوعي البيئي لدى جميع المواطنين والمقيمين على أرض الدولة، مكرِّساً بذلك جزءاً كبيراً من وقته لحماية الطبيعة، وللحد من تداعيات التغير المناخي في المحيط الحضري والنظام البيئي العام، كي تنعم الأجيال المقبلة ببيئة مستدامة.

وتعاظم اهتمام المغفور له بالبيئة مع توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966، مما عكسته قرارتُه الخاصةُ بحظر الصيد، وعمله على توفير حاضنات للحيوانات البرية المهددة بالانقراض، مثل المها العربي والحبارى والصقور.. إلخ.

وتحدى الشيخ زايد كل أطروحات المهندسين الزراعيين الذين أكدوا استحالة التغلب على تحديات التربة والمناخ وندرة المياه.. ليدشن بإرادته الصلبة مشاريع الغابات المحيطة بالعاصمة ومشاريع زراعة أشجار القرم، حيث أشرك المواطنين عبر توزيع الأراضي الزراعية المستصلحة عليهم ليسهموا في زراعتها.
ومقاربتنا للبيئة، وهي كل ما يحيط بالإنسان، تتطابق مع ما يعبَّر عنه بـ«التنمية المستدامة»، وتأخذ بالحسبان مخاطر التغير المناخي وما له من تأثير مباشر في حياة الإنسان. وتحقيقاً لأهداف مئويتها 2071، تعتمد دولة الإمارات سياسات داعمة لعمل كافة القطاعات وفق نهج أكثر صداقة للبيئة وأكثر دعماً للعمل المناخي، ومنه التحول نحو الاقتصاد الأخضر. وبذلك فالدولة تتجاوب بإيجابية تامة مع اتفاقية باريس لعام 2015 حول التغير المناخي، والتي وضعت أحكاماً وآليات دولية لتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة باعتبارها مسبِّباً رئيسياً لمشكلة تغير المناخ.
وفي هذا السياق، أعلن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي عن تقدم دولة الإمارات بطلب لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في أبوظبي عام 2023. ويأتي هذا الإعلان عقب إيداع دولة الإمارات خطاباً رسمياً حول رغبتها باستضافة هذا الحدث لدى كل من أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ورئيس مجموعة آسيا والمحيط الهادئ. في وقت نرقب فيه التوجه العالمي إزاء العمل من أجل المناخ، لبلوغ عالم خال من الكربون.