على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في إندونيسيا لن تجري قبل عام 2024 وهو موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي «جوكو ويدودو» الذي لن يستطيع الترشح مجددًا بحكم نصوص الدستور لأنه تولى الرئاسة لفترتين متتابعتين، فإن الجنرال المتقاعد «برابوو سوبيانتو» (69 عامًا) قد بدأ فعلاً الاستعداد لخوض المعركة أملاً في أن يصل إلى قصر مرديكا الرئاسي هذه المرة بعد أن فشل في مرات سابقة.

والمعروف أن اسم سوبيانتو لم يغب عن الساحة السياسية منذ أن تمت الإطاحة بوالد زوجته الديكتاتور السابق سوهارتو في ثورة شعبية عام 1998. صحيح أنه غادر إندونيسيا إلى منفى اختياري لبعض الوقت بـُعيد الإطاحة بسوهارتو، خوفًا من المساءلة لدوره في قمع أنصار الديمقراطية وخطفهم وتعذيبهم مستخدمًا سلطاته آنذاك كرئيس لأركان الجيش، إلا أنه عاد إلى الواجهة بسرعة مع طموح لا حدود له للوصول إلى سدة الرئاسة. ومن آيات طموحه، الذي زرعه بداخله والده الزعيم الاقتصادي الوطني «سوميترو دوجوجو هادي قاسم»، أنه حاول أن يترشح للرئاسة في عام 2004 باسم حزب غولكار الذي أسسه سوهارتو وحكم من خلاله البلاد لثلاثة عقود متواصلة، وبسبب فشله أسس حزبه السياسي الخاص في عام 2008 بدعم مالي من أخيه رجل الأعمال «هاشم دجوجو هادي قاسم». وباسم حزبه الجديد (حزب حركة إندونيسيا العظمى) المعروف اختصارًا بـ«غريندا» خاض انتخابات 2009 الرئاسية كنائب للرئيس في قائمة السيدة «ميغاواتي سوكارنوبوتري» زعيمة الحزب الإندونيسي الديمقراطي للنضال، غير أن ميغاواتي خسرت تلك الانتخابات لصالح الجنرال سوسيليو بامبانغ يودويونو. لم تصبه هذه الخسائر بأي إحباط، فعاود المحاولة في انتخابات عامي 2014 و2019 الرئاسية التي خسرها في كلتا المرتين لصالح الرئيس الحالي جوكو ويدودو. لكن الأخير بعد توليه السلطة قرر احتواءه فعينه وزيرًا للدفاع في حكومته. ومذاك، وبسب منصبه، امتنع عن الإدلاء بأي تصريحات علنية عن خططه المستقبلية. غير أنه ظهر في 13 يونيو المنصرم في مقابلة خاصة منتشرة على اليوتيوب ليقول إن أي شخص محب لبلده قطعًا سيترشح في الانتخابات القادمة والقرار النهائي سيكون للشعب لجهة الاختيار من بين المرشحين الكثر.

والحقيقة أن نتائج استطلاعات الرأي التي نشرتها الصحافة الإندونيسية مؤخرًا تقول إن الانتخابات القادمة سوف ينحصر التنافس فيها بين ثلاثة مرشحين هم: سوبيانتو، وحاكم إقليم جاوة الوسطى «غانجر برانووو»، وعمدة جاكرتا ذي التوجهات الإسلامية «أنس باسويدان»، وأن من سيترشح باسم الحزب الحاكم حاليًا (الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال) سوف يستأثر بنسبة 26­% من الأصوات. غير أن استطلاعًا آخر أفاد بأنه لو أجريت الانتخابات اليوم لحاز سوبيانوا على أكثر من 34­% من أصوات الناخبين مقابل 25.5­% للمرشح برانوو، و23.5­% لباسويدان.

لم يصدر عن سوبيانو أية إشارة حتى الآن عن الجهة التي سيتحالف معها لتحقيق حلمه، فشغله الشاغل في هذه الفترة هو أن يلمع اسمه كوزير دفاع جدير بمنصبه، ومسؤول يعمل من أجل تعزيز قوة إندونيسيا العسكرية في مواجهة سياسات الصين التوسعية، بدليل كشفه عن صفقة بمبلغ 123 بليون دولار لتحديث الجيش، علمًا بأن الصفقة تعرضت لانتقادات مريرة بسبب ضخامة قيمتها في وقت تحتاج فيه البلاد للأموال من أجل مواجهة تداعيات جائحة كورونا، ثم بدليل زياراته الخارجية المتكررة لشراء المقاتلات والفرقاطات والغواصات الحديثة.

غير أن المراقبين لاحظوا مؤخرًا تملقه لزعيمة الحزب الحاكم «ميغاواتي سوكارنوبوتري»، ربما في محاولة لاستعادة تحالف حزبيهما كما كان قائما في انتخابات عام 2004، حيث إن مثل هذا التحالف ضروري ليحقق سوبيانو أحلامه، بينما لا يحتاج حزب ميغاواتي إلى أي تحالف لتقديم مرشح للانتخابات بسبب سيطرته على 127 مقعدًا في البرلمان المكون من 575 مقعدًا (يشترط الدستور نسبة 20­% من المقاعد لأي حزب يريد المنافسة على منصب رئاسة الجمهورية). ومن دلائل تملق سوبيانتو لميغاواتي قيامه بنصب تمثال لوالدها الرئيس الأسبق سوكارنو في أرض وزارة الدفاع، ومنحها الدكتوراه الفخرية من جامعة الدفاع بجاكرتا.

وهكذا فإن تحالف سوبيانتو ــ ميغاواتي سيكون جسرًا لوصول الأول لقصر مرديكا تحت قيادة الثانية، كما حدث بالنسبة للرئيس الحالي، خصوصًا وأنه يحظى بتأييد واسع في وسط وشرق جاوة المكتظة بأكبر عدد من الإندونيسيين، لكن البعض يتخوف من عدم دعم الرئيس الحالي ويدودو لمسألة ترشيح حزبه لسوبيانتو، وتفضيله للمرشح برانوو. فإذا ما حدث هذا فإن ناخبين كثر من المعجبين بأداء الرئيس الحالي سوف يصوتون لخيار الأخير.