للشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم قصيدة رثاء شهيرة لأرنستو شى جيفارا، غناها الشيخ إمام فى أعقاب رحيل الثائر الأرجنتينى فى سنوات الستينيات الأخيرة، وهى قصيدة يحفظها جيل كامل من محبى ومريدى الثنائية الغنائية السياسية الأبرز فى نصف القرن الماضى، ويصف «نجم» فيها «جيفارا» بالمناضل المثال، وفقًا للزمن الذى عاش فيه، وأظن أن فكرة المناضل المثال نفسها نسبية، حسب المكان والزمان الذى يعيش فيه المناضل.

وأعتقد أن نضال «غاندى» و«مانديلا» يختلف عن نضال «جيفارا» و«كاسترو»، فلكل مناضل ظروف مجتمعية خاصة، وقضية مختلفة يناضل من أجلها، بطريقة يراها هو مناسبة. وربما يكون الأسقف الباسم الجنوب إفريقى، ديزموند توتو، هو أحد مناضلى الظرف الذى أوجد فيه، لاسيما اكتسابه أصدقاء ومعجبين فى شتى أرجاء العالم، وذلك بفضل شخصيته الجامحة.

و«توتو»، الذى رحل منذ أيام، شخصية رائعة، انخرطت فى الصراع ضد نظام الفصل العنصرى، لكنه كان يصر دائمًا على أن دوافعه دينية وليست سياسية. لقد شغل منصب رئيس لجنة الحقيقة والمصالحة التى تشكلت للتحقيق فى الجرائم التى ارتُكبت فى زمن الفصل العنصرى، وكان مَن عيَّنَه فى هذا المنصب هو الرئيس الراحل نيلسون مانديلا، بفضل تاريخه النضالى الكبير، حيث بدأ ديزموند توتو برفع صوته ضد الظلم فى جنوب إفريقيا، عندما كان رئيس الكنيسة الإنجليكانية فى جوهانسبرج، ثم عندما أصبح الأمين العام للمجلس الكنائسى فى جنوب إفريقيا فى عام 1977.

ورغم أنه كان شخصية معروفة قبل اندلاع انتفاضة 1976 فى الأماكن التى يقطنها ذوو البشرة السوداء فى جنوب إفريقيا، لم يعرف المجتمع الأبيض فى جنوب إفريقيا توتو، بوصفه مناضلًا من أجل الإصلاح، إلا قبل اندلاع أعمال العنف، التى كان حاضرًا فيها مُصلحًا ومحاولًا تفاديها.

حصل ديزموند توتو على جائزة نوبل للسلام فى عام 1984 بفضل الجهود التى بذلها فى التصدى لنظام الفصل العنصرى، فى خطوة اعتُبرت بمثابة إهانة كبرى من جانب المجتمع الدولى لحكام جنوب إفريقيا البيض الذين سجنوه وحرّضوا على قتله، ولكنه خرج من كل ذلك صلبًا قويًا، حتى مع الإصلاحات التى تمت فى جنوب إفريقيا، كان مُرحبًا بها، ومُؤمنًا بأهمية ابتعاد رجال الدين عن السياسة، رغم إدانة الكنائس هناك.

وأغضب «توتو» بآرائه الإنسانية الراسخة كلًا من بريطانيا وإسرائيل، كما أغضب أحيانًا حكام بلده، بسبب دعواته المستمرة للقضاء على الفساد.

لم يتخلَّ «توتو» طوال حياته عن مبادئه، لذا مات فى سلام، مستحقًا لقب المناضل المِثال.