يعود اليوم طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية ورياض الأطفال من جديد إلى مقاعد الدارسة الحضورية، بعد نحو العامين من الدراسة عن بُعد وبالتحديد منذ 7 مارس 2020م، وكأنما نلوح للفيروس التاجي أننا بدأنا نتعايش معه، وأنه أضحى جزءاً من أسلوب حياتنا.

منذ بداية توارد أخبار انتشار الفيروس في الصين بدايات 2020م، ثم توقف الدارسة، ثم الحظر الجزئي فالكلي؛ أضحى العالم يؤرخ بما ما قبل وبما بعد الكورونا، رغم أنه لا أحد سوى أفلام الخيال العلمي استطاع أن يتنبأ يوما ما أن كائناً حياً لا يرى بالعين المجردة من الممكن أن يفعل كل هذا بكوكب الأرض.

نعم أعطيت دفعة هائلة للتعاملات الإلكترونية، وأمسى الاجتماع والتواصل عن بُعد مقبولاً ومناسباً، وأضحت الكثير من الأعمال تنجز وتتم عبر التواصل الإلكتروني، بل تجرأت العديد من الجهات الحكومية والخاصة على طرح الكثير من الخدمات الحساسة إلكترونياً فقط لأن "كوفيد - 19" جعلها واقعاً لا مناص منه، والله الحمد توافق ذلك مع وجود بنية تقنية مميزة في المملكة، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سوف نستمر في استغلال التقنية كما نفعل اليوم؟ أم نتراجع مع تراجع الفيروس؟ وهو بالتأكيد ما يطرح في التعليم، في ظل تراجع الاعتماد على التقنية في المرحلة الثانوية والمتوسطة بعد العودة إلى الدراسة الحضورية.

من الآثار الإيجابية للجائحة هو رفع مستوى الوعي بالنظافة الشخصية والحرص على ارتداء الكمامات، وتواصل غسل الأيادي والأسطح الملامسة، ولعل انخفاض حالات الإنفلونزا الموسمية دليل على فعالية الاهتمام بمثل هذه الممارسات، التي للأسف تراخى الكثيرون فيها، وبدؤوا يعودون إلى سابق عهدهم.

والغريب أننا نعتقد أن الآثار النفسية لكورونا ستكون قصيرة، بينما تشير الدراسات إلى دوامها فترات أطول، وهو أوسع مما حدث سابقاً في الجوائح السابقة الأقل انتشاراً، فقد تؤدي مثلاً إلى اضطراب الوسواس القهري، خاصة ممن لديهم استعداد وراثي لذلك، فمن المرجح إصابتهم بالاضطراب أو تفاقم الأعراض بسبب ضغوط الجائحة الإعلامية والمجتمعية، وقد يتطور الأمر للإصابة برهاب الجراثيم المزمن!

نعم تغادرنا الجائحة بالتدريج وقد استغل البعض تلكم الأيام والساعات، على عكس الكثيرين ممن وقف متفرجاً دون أن يقتنص التوقف ليتقدم للأمام، وهو درسٌ لضرورة النظرة الإيجابية لكل ما يحدث لنا، فهي الوسيلة الأفضل - وقد تكون الوحيدة - لتحقيق الأفضل بدلاً من إلقاء اللوم على كل شيء.

لا نعلم ما يخبئه القدر لنا في قادم الأيام، لكن الحقيقة الثابتة أن تحوّل العالم إلى قرية صغيرة متواصلة، جعل انتقال وانتشار الجوائح أسهل من أي وقت مضى، ما يحمّلنا الكثير من مسؤولية الاستثمار في بناء منظومة البحث العلمي لنكون جزءاً من قدرة العالم على المواجهة، والأهم الاستعداد للاعتماد على أنفسنا في حال انقطعت سلاسل الإمداد.