زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوكرانيا، والتقى برئيسها فلوديمير زيلينسكي، ويعتزم استضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الغاية من هذه الحركة المكوكية هي التوسط بين كييف وموسكو، لمنع نشوب حرب في أوكرانيا. وتنطلق تركيا من قاعدة تمس مصالحها الاقتصادية كما أمنها القومي؛ وهي أن أي حرب أوكرانية - روسية، ستصيب بمقتل المصالح التركية. فأنقرة على علاقة جيدة مع أوكرانيا وتبيعها أسلحة، وأهمها طائرات من دون طيار. ووقفت إلى جانب وحدة أوكرانيا، ورفضت ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، كما طالبت باحترام حقوق التتار في القرم. كذلك فإن الاستقرار والسلام في أوكرانيا، يساعد في منع تحول البحر الأسود إلى بؤرة توتر جديدة، تجعله ساحة لحرب باردة وربما ساخنة جديدة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
وفي المقابل، فإن لتركيا علاقات وثيقة مع روسيا في المجالات كافة، بما فيها العسكرية التي تسببت في تفاقم التوتر بين أنقرة والولايات المتحدة، ولا سيما في مسألة بيع روسيا صواريخ «أس 400» إلى تركيا.
وعلى هذا تجد تركيا نفسها أمام أضرار جسيمة في حال نشبت الحرب بين روسيا والغرب. وتجد نفسها محرجة جداً في هذه الحالة بخصوص كيف ستتصرف، وهل ستكون جزءاً من حلف الأطلسي التي هي عضو فيه؟ أم ستقف على الحياد؟ وفي حال انحيازها سواء إلى جانب موسكو أو الغرب، فكيف سينعكس ذلك على السياسة الخارجية والنفوذ التركي في شرق المتوسط والقوقاز وسوريا والعراق وبالتأكيد في البحر الأسود؟ وأكثر من ذلك تأثير ذلك في الوضع الداخلي في تركيا وفي قوة أو ضعف حملة رجب طيب أردوغان لتجديد انتخابه رئيساً للجمهورية في عام 2023.
تأخذ تركيا بعين الاعتبار كل هذه العوامل، واندفعت في وساطة بدأت في كييف وستنتهي محطتها الثانية في تركيا مع بوتين، لكن المواقف التي خرج بها الرئيس التركي بعد زيارة كييف لم تشعر العواصم الغربية بالارتياح، بعدما اتهم الغرب بعرقلة الحل وعدم جديته. ولفت أردوغان إلى أن «الغرب لم يسهم في حل التوتر الروسي الأوكراني حتى الآن؛ بل يعرقل الوضع». وقال: «إذا أردنا التحدث بوضوح، مع الأسف إلى الآن لا توجد مساهمات من أجل حل هذه المسألة من قبل الغرب. وأستطيع القول إنهم يضعون العصي في الدواليب. لهذا أولي أهمية كبيرة للقائي مع بوتين.. وثمة توافق مع زيلينسكي في هذا الخصوص».
وأضاف: «في الحقيقة توجد في أوروبا أزمة قائد، قبل هذا كانت أنجيلا ميركل تؤدي هذه المهمة، في الحقيقة كانت تمتلك بيدها مفاتيح الحل. أما الآن لا يوجد قائد مثلها». كما أشار أردوغان إلى أن بايدن لم يظهر حتى الآن نهجاً إيجابياً، لحل التوتر الروسي - الأوكراني.
تصريحات أردوغان هذه كانت تأكيداً لانطباع خرج به أردوغان من لقائه مع زيلينسكي من أن الوساطة على هذا النحو غير ممكنة؛ بل ربما غير مقبولة. فالرئيس التركي يعرف جيداً أن أية وساطة تبنى على علاقات جيدة مع كييف، وعلاقات سيئة مع واشنطن وبروكسل وبرلين هي وساطة غير قابلة للحياة.
إن الصراع على النفوذ بالعالم ليس بين روسيا وأوكرانيا؛ بل إن أوكرانيا مجرد ساحة لهذا الصراع. وروسيا ترى أن محاولات ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي هي أصل المشكلة، وما تريده هو أن يقدّم الغرب ضمانات بأنه لا يريد ضم أوكرانيا إلى الحلف. وهذه مسألة مصيرية بالنسبة لروسيا بعدما استعادت قوتها في ظل زعامة بوتين وطي صفحة بوريس يلتسين الذي فرّط بكل النفوذ الروسي في شرق أوروبا، وغفل عن توسيع الأطلسي إلى كل أوروبا الشرقية.
لذلك فإن تركيا عندما تحاول التوسط في الأزمة الأوكرانية، إنما يجب أن تأخذ في الاعتبار أن الطرفين الأساسيين في الأزمة هما روسيا والولايات المتحدة وليس روسيا وأوكرانيا. هي تدرك ذلك حتماً لكن الجفاء الذي يطبع العلاقات بين أنقرة وواشنطن، يجعل من وساطة أردوغان ربما غير قابلة للنجاح؛ أو بالأحرى لا يُراد لها أن تنجح؛ لذا كانت مسارعة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لزيارة روسيا، والسعي للقيام بدور وساطة، وكأنه يقول: تركيا جزء من الصراع.. ونقطة على السطر.
التعليقات