يشكل القمح ومشتقاته سلعة غذائية من الأساسيات، التي يعتبر توفرها هو الحد الأدنى من الأمن الغذائي، كما يعتبر ركناً رئيساً على مائدة معظم شعوب العالم، من رغيف الخبز البسيط وحتى رفاهية الكعك الفاخر، لذلك فإن توفره أمرٌ لا يمكن مناقشته وقلّته تدعو للاستنفار القومي الفوري، ونحن الآن أمام خطر احتمال نقص كبير في معروض القمح عالمياً نتيجة حرب وعقوبات تلوح في أفق شرق أوروبا.

استحوذت روسيا على أكثر من نصف سوق القمح العالمي في السنوات الأخيرة لتصبح أكبر مصدر للحبوب في العالم، بينما يتوقع أن تستحوذ أوكرانيا على ما نسبته 12%؜ من السوق العالمية للقمح هذا العام، إلا أن الأزمة الحالية بين هاتين الدولتين والتي قد تتحول إلى غزو باتت تهدد الأسواق العالمية بتعطل ما يقارب ثلث صادرات الحبوب العالمية، وهذا ينبئ بكارثة كبيرة جداً، ستقفز بأسعار الحبوب ومنتجاتها عالياً، وسترفع نسب التضخم إلى مستويات لم يسبق لها مثيل مدعومة بارتفاع متوقع في أسعار النفط والغاز، في وقت يخوض العالم حرباً للخروج من تداعيات جائحة كورونا، ناهيك عن توقعات سابقة بارتفاع الطلب العالمي على الحبوب هذا العام بنسبة 2%؜ حسب بعض المراقبين، بينما ستكون أوروبا والشرق الأوسط أكبر المتأثرين بهذا النقص لاعتمادهما على هذين المصدرين بنسبة كبيرة.

سيناريوهات تعطل هذه الصادرات متعددة، منها لجوء السلطات الروسية إلى زيادة الرسوم الجمركية على الصادرات لتجميع إنتاجها من القمح لضمان أمنها الغذائي خلال الحرب، أو وقوع عقوبات غربية على الصادرات الروسية والمتعاملين معها، بالإضافة إلى توقف المزارعين الأوكرانيين عن عملهم بسبب فرارهم من مناطقهم أو بسبب ويلات الحرب التي ستطال مزارعهم، أو حتى توقف شركات الشحن عن التواجد في منطقة الصراع بسبب خطورة الوضع وارتفاع تكاليف التأمين وأسعار الوقود، وبالتالي جميع هذه العوامل وغيرها ستؤدي إلى شُح متوقع في معروض الحبوب، والذي يصعب تجنبه.

إن الحرب الروسية - الأوكرانية والتداخل الغربي معها بفرض عقوبات اقتصادية سيكون كارثة على العالم أجمع، سواءً على مستوى أسعار الطاقة أو الأمن الغذائي، والقرارات التي ستُتخذ ستكون مفصلية في رسم اقتصاد السنوات المقبلة، وبالتالي سيُحمل العالم المسؤولية كاملة للمتسبب بهذه الكارثة التي لا يمكن تحملها دون دبلوماسية، لذلك فإننا بحاجة لنَفَس الدبلوماسية الأخير بكل أمل قبل أن يقع مالا يحمد عقباه، ويكون نقطة تحول تاريخية في الواقع الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، فكل طرف يرى أنه على صواب ويُجَر إلى ذلك اضطراراً، ولا يبدو حتى الآن أن هناك طرفاً سيلين