غداً الأحد الموافق الـ24 من أبريل 2022 ليس يوماً عادياً في ذاكرة الإليزيه؛ الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية تجمع الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، وزعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان، كل المؤشرات والشواهد ونتائج استطلاعات الرأي، تقول إن ساكن القصر لن يتغير لمدة 5 سنوات مقبلة.

التاريخ سيكتب أن الرئيس الفرنسي يأتي هذه المرة في ظروف ومتغيرات صعبة، فرنسياً وأوروبياً وعالمياً. فرنسا تعيش مرحلة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، بدأت منذ تظاهرات السترات الصفراء، مروراً بجائحة كورونا، وصولاً إلى الحرب الأوكرانية، وأوروبا تعاني حالة التضخم وارتفاع الأسعار، وسباق حول التسلح بشكل غير مسبوق، وتآكل مساحات الحياد بين الدول الأوروبية، التي كانت تشكل جسراً للتواصل بين أوروبا وروسيا خلال العقود الأخيرة.

فضلاً عن أنها تشهد الآن أكبر حرب تجري على أرضها منذ الحرب العالمية الثانية. أما على المستوى العالمي، فإن الانتخابات الفرنسية تأتي في توقيت تئن فيه البشرية، وتعاني من ضعف شديد في سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الغذاء، ونقص كبير في إمدادات الطاقة، ودخول الملايين إلى شرائح الفقر المختلفة، وهناك حالة واضحة من الانقسام والاستقطاب العالمي، وظهور العديد من بؤر التوتر، التي تربك حسابات السلام والاستقرار الدولي.

كل هذه المعطيات، إذا ما تم وضعها بجوار تصدر ماكرون لنتائج الجولة الأولى، ودعم عشرة مرشحين خرجوا من السباق لماكرون، ومساندة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا أولاند، بالإضافة إلى أن كل استطلاعات الرأي، تؤكد أن صناديق الاقتراع ستعلن غدا الأحد، أن ماكرون هو الرئيس الفرنسي.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وسط كل هذه المعطيات والمؤشرات والتحديات: لماذا ماكرون؟

بداية سجلت الفترات العصيبة التي مرت بها أوروبا والعالم، أن الرئيس ماكرون تمتع بذكاء، قاده إلى أن يحظى بمقبولية وحضور كبيرين في توقيت صعب، ففي الداخل الفرنسي استطاع العبور بالاقتصاد الفرنسي من دائرة الخطر والأزمات المتلاحقة، من خلال تخفيض معدلات التضخم والبطالة والعجز في الميزانية، عبر طرح رؤى شجاعة ومبتكرة وخارج الصندوق، أسهمت في تعزيز القاعدة الإنتاجية الفرنسية، وفتح أسواق خارجية، الأمر الذي قاد فرنسا لالتقاط أنفاسها اقتصاديا وتعزيز دورها إقليمياً وعالمياً.

كما أن ذكاء ماكرون في حساباته المستقبلية منحه مساحات جديدة، حينما قرر أن يكون حاضراً وبقوة في أخطر الأزمات التي تواجه أوروبا، وهي الحرب الأوكرانية، فماكرون هو أول وأكثر رؤساء العالم، الذين ظلوا يتواصلون قبل وبعد الحرب مع الرئيس الروسي بوتين، الأمر الذي خلق له صورة نمطية إيجابية وسط الرأي العام الأوروبي، كما أن رئاسته للاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من العام الجاري، مكنته من تحقيق حلم الأوروبيين بتشكيل قوة أوروبية للتدخل السريع، وذلك عندما اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على البوصلة الإستراتيجية في شهر مارس الماضي.

أما على صعيد العلاقات العربية - الفرنسية - فإن الرئيس ماكرون يمثل ركيزة أساسية للعلاقات العربية-الفرنسية، وبدا ذلك واضحاً خلال فترة رئاسته الأولى، إذ كان حريصاً على فتح آفاق سياسية واقتصادية وعسكرية مع مختلف الدول العربية، ولعبت باريس في عهده أدواراً مهمة لمكافحة التنظيمات والأفكار الإرهابية، وقدمت إسهامات كبيرة لاستعادة الاستقرار في العراق ولبنان وليبيا، ومنطقة الساحل والصحراء، من خلال العديد من المبادرات، التي تعكس الرؤية الفرنسية لإحلال السلام في المنطقة العربية، مثل المبادرة الفرنسية في لبنان.

إذن نحن أمام مرشح رئاسي ترك بصمات واضحة في التعامل مع المفاهيم السياسية والدبلوماسية الدولية، تدفعنا للقول: إن تولّي الرئيس إيمانويل ماكرون لولاية جديدة، سيكون الأنسب والأفضل للمصالح العربية وللسلام في أوروبا والعالم.