تدخل مصر المرحلة الثالثة من التعاون مع صندوق النقد الدولي للاتفاق على برنامج تمويل جديد، بعد مرحلتين سابقتين؛ الأولى بدأت عام 2016 وقد حصلت بموجبها على قرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات في إطار تنفيذ سلسلة إصلاحات مالية واقتصادية. أما المرحلة الثانية فبدأت في يونيو 2020 بقرض قيمته 5.2 مليار دولار لمواجهة التداعيات الصحية والاجتماعية لأزمة «كوفيد–19»، وتم تقديمه على ثلاث دفعات. وبما أن مساهمة الصندوق تعطي ضمانةً لرؤوس الأموال الأجنبية، فإن الحكومة المصرية تأمل أن يسهم ذلك في تحفيز تدفق الاستثمارات إلى مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، خصوصاً بعدما اتجهت رؤوس الأموال إلى الخارج، نتيجةَ تداعيات أزمة كورونا والحرب الأوكرانية.

ومع إنجاز موازنة الدولة للعام المالي 2022–2023 والتي تبدأ في يوليو المقبل، تبرز أهمية العجز المقدر بنحو 32 مليار دولار، بزيادة 4.4 مليار دولار عن عجز موازنة العام الحالي، ما يشكل نسبة 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن اللافت أن خطة الحكومة تستهدف ارتفاع الفائض الأولي من 1.3% إلى 1.5% نسبةً للناتج المحلي. أما بالنسبة لفوائد الديون في الموازنة فتصل نحو 37.3 مليار دولار، بزيادة 5.9 مليار دولار، وهو ارتفاع غير مقلق (كما وصفته خطة الموازنة) في حالة زيادة الناتج المحلي بوتيرة أكبر من معدل الديون.

ولذا جاء التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري من قبل مؤسسات دولية مستقراً، رغم أن مصر شهدت أزمات متلاحقة، تحت تأثير عوامل عدة أسهمت في تعميقها، لكنها تفاقمت مع أندلاع الحرب الأوكرانية. ثم جاء قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة الذي ساهم بسحب السيولة من الاقتصاد العالمي والأسواق الناشئة، ومنها مصر التي خرج منها نحو 26 مليار دولار، وساهم ذلك بدوره في تراجع الاحتياطي الرسمي من العملات الصعبة إلى نحو 37 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، مما دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه بنسبة 14%.

ولمواجهة التحديات والظروف الاقتصادية، تتجه مصر بشكل جاد نحو القطاع الخاص لمشاركتها في تحمل التداعيات السلبية، وأعباء المرحلة المقبلة. ويأتي في هذا السياق إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي تكليف الحكومة بعقد مؤتمر اقتصادي عالمي في القاهرة، لإعلان خطة متكاملة، واعتماد برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة. ويستهدف البرنامج 10 مليارات دولار سنوياً لمدة 4 سنوات مقبلة، وهو يلتقي مع برنامج صندوق النقد للإصلاح الاقتصادي بدعم القطاع الخاص، وقد وصفه جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بأنه «ديناميكي ومتطور وقادر على قيادة الاقتصاد المصري».

وفي سياق التعاون المثمر بين القاهرة ودول الخليج العربية، تحركت الاستثمارات الخليجية بسرعة، مسجلةً تدفقاً مالياً كبيراً بين ودائع واستثمارات قدِّرت بنحو 50 مليار دولار، عبر طريقين: الأول دعم احتياطي البنك المركزي، ومنه وديعة سعودية جديدة بقيمة 5 مليارات دولار، ومد أجل وديعة سعودية أخرى بقيمة 2.3 مليار دولار من أبريل الماضي إلى أكتوبر2026، وكذلك مد أجل وديعة كويتية بقيمة ملياري دولار من أبريل إلى سبتمبر المقبل. أما الطريق الثاني فيشمل الاستثمارات الخليجية، وأهمها ضخ استثمارات سعودية مباشرة بقيمة 10 مليارات دولار عبر صندوق سيادي بالشراكة مع صندوق سيادي مصري. هذا بالإضافة إلى منصة استثمارية مشتركة بين القاهرة وأبوظبي بقيمة تصل 20 مليار دولار، تدار من قبل صندوق مصر السيادي وشركة أبوظبي التنموية القابضة.