استفسر صحافيون من خارج بريطانيا عن تقاليد «وستمنستر» لاختلافهم في تعريفات برلمانية «كمواجهة أو مخاطبة مجلسي البرلمان»، خاصة أن «خطاب الملكة» الأسبوع الماضي - لم تلقه الملكة بل ألقاه أمير ويلز (ولي عهد المملكة المتحدة) رغم تسميته في السجلات البرلمانية الرسمية، والصحافة «خطاب الملكة»؛ وما تعريف كلمة زعيم أجنبي لوستمنستر؟
وكنا تناولنا الالتباسات الناجمة عن الترجمة الحرفية لا المفهومية، واختلاف الثقافة والتقاليد البرلمانية ومصطلحات «وستمنستر»، وسير العملية الديمقراطية فيها عن البلدان الأخرى، وحتى أميركا.
فمثلاً «اللوبي» في الكونغرس تعني مجموعة ضغط أو مصالح، بينما في «وستمنستر»، تستخدم بكثرة، فلها أكثر من معنى: «ردهة»، فتصويت النواب ليس برفع الأيدي، وإنما بالمرور في لوبي (ردهة) «نعم»، ولوبي «لا»؛ و«اللوبي» هو أيضاً لجنة من مجموعة صحافية مسموح لها فقط بالوجود في لوبي الأعضاء (الردهة أمام قاعة المجلس المفضية إلى اللوبي المركزي بين مجلسي العموم واللوردات).
ولذا فخطاب الملكة تسمية مجازية يستحسن ترجمته «خطاب العرش» أو «خطاب التاج»، فالمقصود به تقديم حكومة الملكة لبرنامجها السياسي للدورة البرلمانية القادمة يوم افتتاح دورة جديدة بإذن من الملكة. بصرف النظر عمن يقرأ الخطاب. مما يعطي الخطاب الشرعية الدستورية وجود التاج (رمز الدولة) الأسبوع الماضي على مقعد مستقل، فلا يمكن دستورياً أن يضع ولي العهد أو أي شخص تاج الدولة على رأسه والملكة على قيد الحياة.
وتغيرت التفاصيل الإجرائية في إطار الإبقاء على التقاليد، فحضر دوق كمبريدج، الأمير ويليام (الوريث الثاني للعرش) بدلاً من أبيه، الذي حضر نيابة عن رأس الدولة (الملكة).
ومن التقاليد الإجرائية الصارمة ألا يسمح بدخول أي شخص لتوجيه كلمة أو الحديث أمام أي من المجلسين إلا إذا كان عضواً منتخباً في مجلس العموم، أو معيناً (بمرسوم ملكي أو بالوراثة) في مجلس اللوردات؛ وخطاب الملكة (خطاب التاج أو العرش) الاستثناء.
لكن الملكة مثلاً عندما ألقت كلمة للبرلمان ككل بمجلسيه وضيوفه خمس مرات في أعوام 1977. و1988، و1995 و2002 و2012، وقبلها الراحل الملك جورج السادس (1895 - 1952) في 1950. ألقيا الخطابات في قاعة وستمنستر الكبرى (وهي ليست قاعتي اللوردات أو العموم) في مناسبات قومية أو دولية تتعلق بالكومنولث، ولكن الحضور والمستمعين كانوا أعضاء المجلسين، وضيوفاً عالميين.
وهناك بروتوكولات وتقاليد صارمة لتقديم الدعوة لرأس دولة، كأمير الكويت صباح الأحمد (1929 - 2020) في 2012 أو شخصية عالمية كنيلسون مانديلا (1918 - 2013) في 1993 لفوزه بجائزة نوبل للسلام، وفي 1966 كرئيس لجنوب أفريقيا، لمخاطبة، إما البرلمان ككل بمجلسيه، أو أحد المجلسين، العموم أو اللوردات.
صاحب الدعوة هو رئيس مجلس العموم المنتخب (حالياً السير ليندزاي هويل)، وإذا كان الضيف سيخاطب البرلمان ككل، فيكون بالتنسيق مع رئيس مجلس اللوردات (حالياً لورد الكويث ماكفول) والقصر الملكي.
وهناك تقاليد وبرتوكول للضيوف، فباستثناء الملكة، إلقاء الكلمة في قاعة وستمنستر تخصص للزعماء المنتخبين ديمقراطياً. أولهم في العصور الحديثة في 1939 الرئيس الفرنسي الراحل ألبرت ليبرن (1871 - 1950) وآخرهم أنغ سان سو كي، (زعيمة المعارضة في بورما آنذاك)، في 2012 وقبلها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في 2011. أما الملوك وضيوف اللوردات فيتحدثون في الغاليري الملكي الملحق بقاعة مجلس اللوردات ومنهم والد الملكة جورج السادس في 1945. وفي عام 1996 الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك (1932 - 2019) وأولهم في 1942 كان رئيس وزراء اتحاد جنوب أفريقيا ويليام ليون ماكينزي كينغ (1874 - 1950) وآخرهم في 2018 كان ويليام ألكسندر (تنازل عن عرش هولندا). أو قاعة ارتداء الروب الملكي الملحقة باللوردات، وآخرهم كان الرئيس الكولومبي خوان كارلوس سانتوس في 2016. أو لزعماء روحيين في قاعة الاجتماعات الكبرى في وستمنستر مثل الدلاي لاما في 1996 وآخرهم في العام نفسه كان رئيس الأرجنتين الراحل كارلوس منعم (1930 - 2021).
آخر من ألقى خطاباً أمام البرلمان كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذا العام عبر الإنترنت على شاشات كبيرة؛ كالشخصية الواحدة والخمسين في هذا التقليد.
المناسبات التي تلقى فيها الخطب الرسمية تعتبر من الأعمال اليومية للبرلمان وتدون في السجل البرلماني الرسمي المعروف بـ«هانزارد» مع نص الكلمة. كل ما عدا ذلك لا يدرج في السجل الرسمي ولا يمكن تسميتها «كلمة أمام مجلس العموم (أو البرلمان)». فهناك مئات الدعوات غير الرسمية توجه لضيوف كمجموعتي حزب العمال «أصدقاء إسرائيل»، و«أصدقاء فلسطين» على سبيل المثال، ودعوات من «أأبغ» AAPG الأحرف الأولى لكلمات «مجموعة كل الأحزاب البرلمانية»؛ وهي مقابل مجموعات الضغط الأميركية في الكونغرس.
تتكون كل مجموعة من بعض أعضاء المجلسين من مختلف الأحزاب وأعضاء خارجين في شكل منظمات، أو أفراد. المجموعة قد تكون لدعم تيار أو مصالح أو قضية كمجموعات البيئة، أو صناعات معينة، ـ أو الدفاع عن مصالح الأقليات، والمثليين، أو حقوق الأطفال. وهناك عشرات المجموعات تتعلق ببلدان صديقة؛ مثل «أأبغ زيمبابوي»، أو «أأبغ الهند»، توجه الدعوات لبرلمانيين، أو مفكرين من البلد المعين كمجموعة مصر مثلاً. ويلقي الضيف كلمة للحضور سواء النواب أو المدعوين في غرفة يحجزها نائب؛ ولا يمكن أن تسمى «كلمة أمام البرلمان» لأنها أعمال غير برلمانية، وتتولى المجموعة دفع تكلفة القاعة وما يقدم من مرطبات. وتتعرض هذه المجموعات لاتهامات «كباب خلفي» لنفوذ مصالح واستثمارات للتأثير على القرار السياسي، خاصة بتبرع الاستثمارات الخارجية للمجموعة وتعيين النواب مستشاري شركات أو دعوتهم في رحلات ترفيهية لبلد المجموعة.
انخفض عدد المجموعات إلى 315، من 744 مجموعة في 2017 بعد حملة كريس برايانات، (وقتها) رئيس اللجنة البرلمانية للشؤون المالية والوزير (2009 - 2010) في حكومة العمال، عندما بلغت التمويلات الخارجة للمجموعات قرابة 39 مليون دولار.
التعليقات