ما أن تقترب من تقاطع شريان القاهرة «صلاح سالم» مع نفق الثورة، حتى يلوح على يمينك قصرٌ ذو طراز لافت، يختلف عما سواه في كافة أنحاء مصر، إنه قصر البارون البلجيكي «إدوارد إمبان».

يقع القصر الصغير نسبياً وسط حديقة غناء تتجاوز الاثني عشر ألف متر مربع، واستلهم تصميمه الخارجي من المعابد الهندوسية القديمة، بينما صمم داخلياً كأحد قصور عهد النهضة الأوروبية.

دخلت برفقة والدي من الباب الجانبي، حيث يقابلك على الفور نسخة حقيقية باقية من عربة قطار كهربائي «ترام»، لها قصة تؤكد بُعد نظر باني القصر، كما لو كان مطوراً عقارياً من القرن الواحد والعشرين!

تعود القصة إلى العام 1905م حينما عرض رجل الأعمال «إمبان» على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حي جديد شرق القاهرة التاريخية نظراً لارتفاع تكلفة الأراضي المطلّة على النيل، فاشترى ستة آلاف فدان بنحو جنيه واحد للفدان الواحد! بمشاركة الباشا «بوغوص نوبار» نجل رئيس وزارء مصر، وأطلق على ضاحيته الجديدة: «هليوبوليس» أي مدينة الشمس، والذي عرف لاحقاً بحي «مصر الجديدة»، وحتى يستطيع جذب السكان إلى مشروعه الجديد الذي يبعد نحو 16 كليو متراً قام بإنشاء خط قطار كهربائي على السطح ليربط بين القاهرة التاريخية وحيّه الجديد، مما عزز نجاح الحي وازدهاره الاقتصادي، ولك أن تتصور أن هذا الخط استمر بالعمل لنحو مئة عام، حتى توقف قبل سنوات قليلة!

تجوّلت مع والدي في القصر الغريب، والذي صممه المهندس الفرنسي «إلكسندر أوغست» واستلهم أفكاره من معبد «أنكور وات» الكمبودي ومعبد «كاتشي فيشواناث» الهندي، وبنيت حجراته وردهاته بأسلوب يجعل أشعة الشمس لا تغيب عنها أبداً. تنبهر بالتشكيلات المتناسقة لبلاط الفيسفساء ذي الألوان الزرقاء والبرتقالية والحمراء، وتماثيل الفيلة الهندية والمقاعد الملتوية التي تحيط بها التماثيل، مما أهلّه ليكون مسرحاً لتصوير أفلام سينمائية مصرية.

أما السطح فهو أروع أجزاء القصر، مشهد بانورامي تصعد له عبر سلم حلزوني من خشب الورد الفاخر، وقد كان المكان المفضل لحفلات البارون وتناول الشاي حين الغروب، بين الجدران التي تزينت برسوم النباتات الضخمة والحيوانات والمخلوقات الخرافية.

لم يفتح القصر للجمهور إلا قبل عامين فقط، إذ تعرض القصر مع مرور الزمن وتعاقب الملاك إلى الإهمال، حتى اشترته الحكومة المصرية عام 2005م، وبدأت أعمال الترميم والتأهيل حتى افتتاحه من جديد عام 2020م.

رغم أن «إمبان» عاش وحقق نجاحات كبيرة في بلاد متعددة، كالهند والبرازيل والمكسيك والكونغو، جعلت ملك بلجيكا ينعم عليه بلقب البارون، إلا أنه عشق مصر وأوصى أن يدفن بها حتى لو وافته المنية خارجها، لذا بعد وفاته في بلجكيا، نُقل جثمانه إلى القاهرة، ودفن أسفل كنيسة «البازليك» التي أنشأها هو! والتي تقول بعض الأساطير إن تلك الكنيسة يربطها نفق تحت الأرض بقصر البارون!