لا يستوعب النظام الحاكم في الجزائر أنّ الطريق إلى استضافة قمّة عربيّة لا يمرّ بالإساءة إلى المغرب الذي يترفّع دائما ملكا وشعبا في كلّ مناسبة عن النزول إلى مستوى الاستفزازات الجزائريّة.

من أطرف التصريحات السياسيّة التي صدرت أخيرا، تلك التي أدلى بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة. استبعد لعمامرة أيّ وساطة بين بلده والمغرب بقوله إنّ هذه الوساطة مرفوضة “أمس واليوم وغدا”.

يبدو كلام لعمامرة من النوع المضحك المبكي. مضحك كونه صدر عن شخصية تتعاطى الدبلوماسية. والدبلوماسيّة تعني قبل كلّ شيء الاستعانة بالكلام اللائق في التعامل بين الدول، فكيف إذا كان الأمر يتعلق ببلدين متجاورين عضوين في جامعة الدول العربيّة، بعض تاريخهما مشترك ولا عداوة بين شعبيهما. على العكس من ذلك، ثمة ودّ متبادل بين الشعبين ظهر في كلّ مرّة تقابل فيها فريقان رياضيّان مغربي وجزائري. ما هو مُبك أنّ لعمامرة يبدو كأنّه في بحث دائم عن عدوّ للجزائر علما أنّ لا وجود لمثل هذا العدو إلّا في الوهم. اختار العنوان الخطأ عندما رأى في المغرب عدوّا!

ينسى وزير الخارجية الجزائري، الذي يقول الذين عرفوه إنّه حاذق يتمتّع بخبرة طويلة، دعم المغرب ملكا وشعبا للجزائريين في حرب الاستقلال. لم يأت اسم مجموعة وجدة الذي أطلق على هواري بومدين ورفاقه، ومن بينهم عبدالعزيز بوتفليقة المولود في المغرب، عن عبث. كان أفراد هذه المجموعة في الأراضي المغربيّة في مرحلة ما قبل الاستقلال. تمتع هؤلاء بكل الرعاية والحماية المغربيّة في تلك المرحلة ثمّ حكموا الجزائر بعد استيلاء بومدين على السلطة في العام 1965، أي بعد ثلاث سنوات على الاستقلال.

إضافة إلى البحث عن عدو وتوهّم وجود مثل هذا العدو، ليس كلام وزير الخارجيّة الجزائري سوى تعبير آخر وليس، في طبيعة الحال، التعبير الأخير عن أزمة النظام الجزائري الباحث في استمرار عن تصدير مشاكله إلى خارج حدوده. لا يدري لعمامرة، الذي تطمح بلاده إلى استضافة القمّة العربيّة في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل، أنّ معظم الدول العربيّة أخذت موقفا إيجابيا من استعادة المملكة المغربيّة لأقاليمها الصحراوية.

عبّر عن هذا الموقف عدد الدول العربيّة التي فتحت قنصليات لها في مدينة العيون، عاصمة الصحراء المغربيّة وفي الداخلة على شاطئ الأطلسي. الأهم من ذلك كلّه، أنّ الولايات المتحدة نفسها، اعترفت في الأسابيع الأخيرة من ولاية الجمهوري دونالد ترامب بأنّ الصحراء مغربية. باتت مغربيّة الصحراء من ثوابت السياسة الأميركيّة تجاه شمال أفريقيا. الدليل أنّه لم يطرأ أيّ تغيير على الموقف الأميركي مع تبدل الإدارة ووصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع العام 2021.

ليس مستبعدا أن يكون لعمامرة، شعر مثله مثل مسؤولين جزائريين آخرين، بنوع من فائض القوّة مع ارتفاع سعر برميل النفط وسعر الغاز الجزائري في وقت يحتاج العالم إلى بديل من الغاز الروسي. لكنّه يظهر أنّ الرجل لا يريد أخذ العلم بأنّ دولة مثل إسبانيا، تستورد الغاز الجزائري، رفضت الدخول في لعبة الابتزاز الجزائريّة واتخذت موقفا واضحا من استعادة المغرب لأقاليمه الصحراوية.

واضح أنّ وزير الخارجية الجزائري لا يريد تعلّم شيء من تجربة رئيسه عبدالمجيد تبون الذي اعتبر قبل نحو شهرين أنّ إعلان الحكومة الإسبانيّة دعمها لخطّة الحكم الذاتي للصحراء المغربيّة “غيّر كل شيء” في العلاقات الجزائرية – الإسبانية. ما الذي تغيّر منذ اتخاذ تبّون مثل هذا الموقف؟ لم يتغيّر شيء. على العكس من ذلك، طرأ المزيد من التحسّن على العلاقات المغربيّة – الإسبانيّة في شتى المجالات.

كان في استطاعة تبّون أخذ الجانب المضيء الذي طرأ على الموقف الإسباني والانضمام إلى موقف مدريد من الصحراء المغربيّة بدل الاعتراض عليه.

كان الأجدر بالرئيس الجزائري وقتذاك الاعتراف بأنّ على بلاده نفسها التخلّي عن أوهام عانت منها طويلا، كما عانى منها الصحراويون الذين تحتجزهم السلطات الجزائرية في مخيّمات البؤس في تندوف. كان يفترض به الدفع في اتجاه العيش الكريم لهؤلاء على غرار عيش الصحراويين بكرامة، مثلهم مثل أيّ مواطن مغربي، في الأقاليم الصحراوية داخل المملكة المغربيّة. .

غيرت إسبانيا موقفها الرسمي إزاء نزاع الصحراء المغربية لمصلحة المغرب. في الواقع تصالحت إسبانيا مع نفسها عندما أيّدت مشروع الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل هذا النزاع.

في آذار – مارس الماضي حصل توتر في العلاقات بين إسبانيا والجزائر التي استدعت سفيرها لدى مدريد، وربطت عودته بتقديم الحكومة الإسبانية “توضيحات مسبقة” بشأن الأسباب التي جعلتها تغيّر موقفها. لم تغيّر الحكومة الإسبانيّة موقفها. لم يحصل شيء على الرغم من إغلاق الجزائر خط أنابيب الغاز الذي يمرّ في الأراضي المغربية والذي يوصل كميّات من هذه المادة إلى إسبانيا. بقيت إسبانيا تتطلع إلى مزيد من التعاون مع المغرب بعدما زار رئيس وزرائها بدرو سانشيز الرباط والتقى العاهل المغربي الملك محمد السادس… وبقي النظام الجزائري يهدّد ويتوعّد ولا أحد يأبه به أو يعيره اهتماما. كلْ ما فعله النظام الجزائري أنّه استقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في زيارة لا فائدة تذكر منها، خصوصا أن الجزائر غير قادرة على الحلول مكان روسيا في مجال تزويد أوروبا بالغاز من جهة وفي وقت قرّرت دول أوروبا المعنيّة، في مقدّمتها ألمانيا، البحث عن بدائل من النفط والغاز الروسيين من دون المرور بالجزائر والاستعانة بها من جهة أخرى.

يرفض النظام الجزائري رؤية ما يجري في المنطقة والعالم. لا يزال يرى نفسه لاعبا مهمّا في شمال أفريقيا وفي أفريقيا نفسها وفي أوروبا. فاته أن الزمن تجاوزه، كذلك الأحداث العالمية ونشوب الحرب الأوكرانيّة. لا يستوعب أنّ الطريق إلى استضافة قمّة عربيّة لا يمرّ بالإساءة إلى المغرب الذي يترفّع دائما، ملكا وشعبا في كلّ مناسبة عن النزول إلى مستوى الاستفزازات الجزائريّة. المغرب يتعاطى مع العالم بكلّ واقعية. تكمن مشكلة لعمامرة أن المسؤولين في المغرب لا يمكن أن ينزلوا إلى مستوى اللغة التي يستخدمها، لا لشيء سوى لأن المغرب لا يبحث عن أعداء بمقدار ما يبحث عن أصدقاء في أفريقيا وأوروبا والعالم.