إن المتعلمين من دروس الماضي وحدهم الذين يشعرون بامتيازات تلك الدروس والتعلم والاستفادة منها على مستويات مختلفة، باستثناء حكومة الكويت التي تخشى الإقدام على التصدي لمخاطر الفكر الجهادي والمتطرف بحلول جذرية وحازمة لا تقبل التهاون والتأجيل!
من الدروس التي تعلمتها من واقع خبرة إعلامية وسياسية منذ مطلع الثمانينيات حتى اليوم أن هناك خونة بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى عميق، ولعلني لا أتجنى بالجزم أن الخونة هم الفلسطينيون الذين كانوا في الكويت اثناء الغزو العراقي، باستثناء عدد بسيط من الأبرياء الذين فزعوا للشعب الكويتي وكان لهم دورهم الاقتصادي والثقافي المهم في دعم الكويت وهي تمرّ في محنتها الصعبة.

وانتصرت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات وقوى أخرى كالإخوان المسلمين في العالم ومصر تحديدا لوهم المقبور صدام حسين في تحرير فلسطين عبر العبور نحو جنوب العراق مرورا بالكويت، في حين الطريق نحو تحرير القدس مختلف تماما جغرافياً!

وتأكيداً لما وعدت به في مقالي «خفافيش الفضاء الإلكتروني»، عن الصحافي الفلسطيني الذي يعمل في الكويت في إحدى الصحف، تتبعت طبيعة انتماء هذا الصحافي المتشدد فكرياً ودينياً ووجدت أنه من المتباكين على «ثورة مرسي» وفلول جماعته، لدرجة أن قارنه -علنا- بالخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه)!

وهذا الصحافي الفلسطيني المقيم في الكويت ولديه من النفوذ في انفاذ سمومه الفكرية والمتشددة عبر نافذة الكترونية كويتية، مستغلا بيئة حرية الرأي، التي أنا وغيري كثر نؤمن فيها ونحترم بذات الوقت الرأي المخالف طالما لا يحمل سموماً ولا تضليلاً وخداعاً للرأي العام، والأهم خطورته على الأمن الوطني الكويتي.

ولكن لابد من الحذر في التعامل مع هذه الملفات، خصوصا أن الكويت دفعت ثمناً باهظاً نتيجة خيانة عدد لا يستهان به من الفلسطينيين، وتحديدا من وثقنا بهم وتعاملنا معهم برقي فكري وأخلاقي، ولكن الأيام اثبتت حقيقة الخيانة المترعرعة عند هؤلاء!

وتستدعي الذاكرة مواقف بعض الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في وكالة الانباء الكويتية (كونا) ومنهم داود سليمان القرنة، الذي انضم طوعياً إلى فريق صحيفة النداء العراقية وتمت محاكمته مع عدد آخر من الفلسطينيين محاكمة عادلة بحضور المنظمات الدولية بعد تحرير الكويت.

وقد سُرقت جميع مكائن طباعة صحيفة القبس، التي تحولت إلى مقر صحيفة النداء العراقية، من بعض الأفراد الفلسطينيين والعراقيين من الموالين والمؤيدين للغزو العراقي للكويت اثناء مرحلة الاحتلال.

بعد سنوات من سجن داود سليمان القرنة وصدور حكم مؤبد أو إعدام على ما أظن، صدرت توجيهات سامية من سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بالعفو والتسفير لجميع الصحافيين الفلسطينيين المدانين إلى الأردن.

انبرى المدعو داود سليمان القرنة، الصحافي الفلسطيني، بعد تأمين وصوله إلى الأردن في نشر مقال في صحيفة أردنية زاعماً كذباً عدم صحة وجود أسرى كويتيين، وأن الكويت استأجرت عمالة آسيوية لرفع أعلام الأسرى!

بادرت آنذاك في ارسال رد على ناكر الفضل والجميل، داود سليمان القرنة إلى الصحيفة الأردنية، وتم نشر الرد مع تعليق للصحيفة بأنها قامت بدور النشر بالرغم من الأخطاء الإملائية، التي يبدو أنها كانت محور اهتمام الصحيفة وليس الرد ومضمونه!

وكانت الأجواء مشحونة في تلك المرحلة في التسعينيات في الأردن وبلدان أخرى، لذلك كانت رحلة الكويت مع ملف الأسرى عسيرة للغاية بسبب نفوذ قيادات فلسطينية وعراقية موالية لنظام صدام حسين، إلا أن الايام برهنت على صحة قضية الأسرى. ولم يكن مستغرباً استهجان الكتروني مباشر للصحافي الفلسطيني المقيم في الكويت حاليا لما ورد في لقاء مع صحافي كويتي مخضرم عبر نافذة القبس، بسبب «التعميم» عن الخونة الفلسطينيين اثناء الاحتلال العراقي للكويت.

ويتضح أن هناك البعض من فئة فلسطينية لم تزل في الكويت تعمل كغيرها في بث سموم المغالطات والحماية لجماعاتهم والموالين لهم تنفيذاً ربما لأجندة وهدف غير معلن حاليا حتى يتم بلوغ غاية التمدد والتوغل في مفاصل الدولة والإعلام الخاص والرسمي الكويتي!

ليس من العسير على الجهات الرسمية الكويتية، خصوصاً وزارتي الداخلية والأوقاف، أن تتخذ الإجراءات القانونية بصرامة وحزم من أجل حماية المجتمع من انتشار الفكر المتشدد والمتطرف دينياً وفكرياً، إذا ما توافرت الإرادة في التصدي لعبث متعمد ضد الاستقرار.

ولعله من المهم بمكان تجديد الأهمية لحرية الرأي والتعبير التي نصبو إليها جميعا كشعب كويتي، الا أن الخروج عن إطار النقد المباح ونشر الرأي التكفيري والجهادي لا يمكن القبول به، ولا ينبغي أن تستهين به القيادات السياسية والأمنية في الدولة. يبدو أن الحكومة الكويتية تنتظر انفجار القنبلة الفلسطينية حتى تقوم بحركة السلحفاة في قليل من الحركة والقول المائع.