يتفق المراقبون أن المعادلات التقليدية القديمة اختلفت ونتفق جميعًا إننا أمام زمن آخر تحكمه معادلات جديدة وتربطه بتحولات واختلاف مسارات وتشكل تحالفات خارج إطار وهيمنة التحالفات الكلاسيكية التي شاخت في مكانها.
في الأفق العالمي تشكلت وتبلورت معادلات جديدة لا علاقة لها بالمعادلات السابقة، ففي الأفق الاقتصادي العالمي تبرز الصين قوة يُحسب حسابها ولها دورها الذي خطف أدوار القوى اقتصادية شارفت أدوارها على الانتهاء وتراجعت خطوات لتتقدم الصين، وهو تقدم عبر المعادلات وبدل الحسابات وجاء بأرقامه الجديدة في زمن آخر جديد تتبدل فيه الخرائط السياسية ويتقدم منه لاعبون ويتراجع آخرون وتحتفي أسماء وتظهر أخرى جديدة بأشكال فاجأت العالم.
فروسيا بوتين في الأفق السياسي العالم ليست هي روسيا يلتسن المترنحة سياسيًا واقتصاديًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينات.
ومطلع عشرينيات القرن الجديد «21» تختلف في مجملها عن مطلع التسعينات المنصرمة باضطراباتها وتخلخل توازناتها، فخلال الثلاثين عامًا أعاد القيصر «بوتين» صياغة روسيا جديدة، لا علاقة لها بالاتحاد السوفيتي الاشتراكي المنهار، لكنها روسيا التي لم تقطع حبلها السري مع الحلم القيصري في القوة والنفوذ.
وما بين هذه المتغيرات الضخمة جاء بايدن وفي يده «عقيدة أوباما» يلوح بها ويهدد وهو لا يعلم أنها وثيقة سقطت سقوطًا ذريعًا في اختبار الواقع وامتحان الفجرية خصوصًا تلك التي مرت بها منطقتنا مع «عقيدة أوباما» واستراتيجيته.
وفريق بايدن راهن على الوثيقة بغير حدود فراح ينسف آخر الجسور مع مناطق مؤثرة وقوية فخسرت إدارة بايدن الكثير وفقدت أوراقًا مهمة حتى في الداخل الامريكي.
وبعد سنة ونصف استفاق بايدن وفريقه وبدؤوا في محاولة استعادة ما فقدوه وما خسروه، وما زيارة بايدن المرتقبة إلى المنطقة وجدولة لقاءاته واجتماعاته سوى إعلان «حُسن نوايا» وإزالة ما علق من آثار انعكست سلبًا على إدارة بايدن يتمسكها بعقيدة أوباما ووصاياها التي دمرت العلاقات الامريكية مع أكثر من جهة عالمية مؤثرة ومهمة، وهو ما تسعى زيارة بايدن إلى إعادة صياغتها بمعزلٍ عن تلك الوثيقة الاوبامية سيئة الذكر والنتائج.
وإذا كانت الزيارة والاجتماعات يبحث فيها بايدن عن منافذ من التضخم غير المسبوق في امريكا، وعن أزمة الوقود والغاز إثر تداعيات الحرب على اوكرانيا، فإنه بلاشك سيبحث عن أوراق إعلامية ناجحة تُعيد له شيئًا من المساحة التي فقدها لدى الناخب الامريكي، لاسيما وإن بايدن كان قد أعلن عزمه إعادة الترشح في انتخابات 2024.
أخطاء بايدن وإدارته كثيرة، فهو اندفع كثيرًا في البحث عن مواجهات حادة، ودخل في خصومات أو بالأدق صنع لنفسه خصومًا وهو ما زال حديث عهد بالرئاسة، وهي خصومات ومواجهات تركت آثارها السلبية على البيت الأبيض وعلى مجمل العلاقات الامريكية مع عددٍ من دول العالم، وهو عدد لا يستهان بتأثيره.
كما إن بايدن أطلق عباراتٍ وتوصيفات متطرفة في يساريتها ضد بلدانٍ وزعامات ما كان ينبغي له أن يطلقها في أجواء إعلامية تبحث عن إثارة لتنفتح فيها فانقلبت ضده شخصيًا ولم يستطع إعلامه ولا فريقه إنقاذه او حتى تعد بل أو تصحيح مسار تلك التصريحات المتسرعة.
وفيما تبقى له من وقت يسارع بايدن بترتيب زيارات واجتماعات ولقاءات يذهب إليها بنفسه كنوع من التصحيح أو إعادة التأسيس لعلاقات وتفاهمات هادئةٍ ومرنة بمعزلٍ عن أسلوبه الراديكالي السابق.
فالخطاب الامريكي خلال السنة والنصف المنصرمة من فترة رئاسة بايدن امتاز بالاسلوب أو غلبت عليه اللغة الراديكالية، وهي لغة إن كانت تصلح في سبعينات القرن الماضي فإنها قطعًا وبكل تأكيد لا تصلح لعهدنا وزماننا ولعالمنا بكل تحدياته ومعادلاته الجديدة.
التعليقات