على هامش الضربة العسكرية المتوقعة التي تستعد لها إسرائيل ضد إيران بعد إعلان فشل المفاوضات النووية المحتمل بين إيران والدول الغرببة، استباقًا لتمكن إيران من امتلاك القدرة على تصنيع السلاح النووي وحيازة القنبلة الذرية التي سيكون لها تأثير كبير على مستقبل السلم في منطقة الخليج العربي، يثار كثير من الحديث عن قدرات البلدين وحظوظ كل دولة في تحقيق النصر على الأخرى إذا ما تواجهتا عسكريًا. فهل لدى إيران القدرة على التصدي لضربات إسرائيل وعلى مواجهتها؟ وهل إسرائيل تملك القدرة العسكرية الكفيلة بتجريد إيران من قدرتها النووية التي تهدد بها دول جوارها الجغرافي؟

هذه الضربة العسكرية المتوقعة تثير كثيرًا من الحديث بين مؤيدي إيران، وهم من يطلقون على أنفسهم محور «المقاومة» في عملية نهب إعلامي منظم للمصطلحات والمفاهيم لتمرير أجندات سياسية تستغفل بها إيران بعض المهووسين بسرديات البطولات الوهمية والمخدرين بأحلام إلقاء إسرائيل في البحر، وبين من يرون، وأنا واحد منهم، في إيران عدوًّا صريحًا وأكثر تهديدًا لأمن المنطقة والعالم من أي قوى أخرى، وأن إيران بسياساتها العدوانية تشكل في الوقت الحاضر خطرًا وجوديًا على دولهم خصوصًا إذا ما تمكنت من الوصول إلى امتلاك السلاح النووي.

على وقع هذا الحديث سأتناول شيئًا مما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي وأعلق عليه، راجيا، على أي حال، أن تفشل إيران وتخيب كل مساعيها في حيازة السلاح النووي؛ لأن في حيازتها له تهديدًا خطيرًا لأمن منطقة الخليج العربي برمتها وسلامة شريان حيوي من شرايين التجارة العالمية واستقرار الأسواق المالية في مشارق الأرض ومغاربها، ومذكرًا بأن وسائل التواصل الاجتماعي قد تحولت منذ عقد من الزمان إلى منصة لإدارة حروب من نوع جديد تقوم على نشر الشائعات واصطناع البطولات وترويج الأوهام ونفث السموم، مما يعني واجب نقد ما يُنشر في هذه الوسائل تنبيها للغافلين وإيقاظًا لعقول أسكرها أفيون إيديولوجيات عفى عنها الزمن، وخدرها الإسلام السياسي.

في كل مرة أشاهد فيها برنامجًا تلفزيونيًا حواريًا أو يصلني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي نص مكتوب أو مادة فلمية تتناول إيران وتتحدث عنها وتصفها بالدولة «القوية» لا أحسب خطابًا كهذا إلا دعاية وترويجها لهذا النظام الثيوقراطي المتعجرف الذي ينشر البؤس في جغرافيته وينثر عدم الاستقرار والفوضى في محيطه الإقليمي؛ لأن إيران تجد في هذه السياسة العدائية التي تبلغ حدود الإرهاب المنظم متنفسًا وشكلاً من أشكال صرف أنظار الداخل الإيراني عن الاهتمام بأوضاع داخلية تنذر بين الفينة والأخرى بثورة شعبية عارمة يعلم حكام طهران أنها إذا اندلعت نيرانها فلن تبقي عليهم ولن تذر. الواقع ينبئنا بمؤشرات وأخبار عديدة أن إيران ليست سوى دولة تعيش على حافة بركان حراك شعبي داخلي يضطرم غضبًا من السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة لتجار المذهب والدين، ومن سياسات التمييز العنصري والطائفي التي تنتهجها السلطة الجاثمة على الشعب الإيراني للتفريق بين مكونات الشعب الإيران منذ الثورة الخضراء في عام 2009 والاحتجاجات أو الثورات اللاحقة مثل «ثورة السجناء» وثورة العطش«و»ثورة الجياع«، هذا فضلا عن حرقة الداخل الإيراني عندما يشاهد بلاده منبوذة من المجتمع الدولي، ومتهمة برعايتها الإرهاب ودعمها للفكر المتطرف. كل هذه المؤشرات والمعطيات تنبئنا بأن الثورة الشعبية في إيران آتية لا محالة وستكون ريحًا صرصرًا عاتية تقتلع دولة «آيات الله» من جذورها لتصير إلى زوال.

أصل الحكاية الكامنة وراء فرضية قوة النظام الإيراني هي أن هذا النظام يرى في ضعف الإرادة الدولية عن ردع تدخلاته في شؤون الدول الأخرى قوة له واستمراراُ لبقائه، كما أنه يعول كثيرا على أعوانه المذهبيين في سياقات الحديث عن «المقاومة» مثل «حزب الله» في لبنان، والأحزاب الولائية في العراق والحوثيين في اليمن. وأرى أن كل من يتعاطى هذه المواد في وسائل التواصل الاجتماعي إنما هو مخدوع بقوة دولة تنسج الوهم وتسوقه لبعض البسطاء. وأكثر أوهام هذه الدولة المستبدة في عقول غير قليل من الناس أن إيران دولة «قوية» ومؤثرة في محيطها. وأكثر مظاهر الوهم بروزا نراها في عقول رجال الدين فيها ممن يروجون لسردية أن إيران دولة ساقتها أقدار السماء لتهيّئ لظهور المهدي المنتظر!

وبعيدا عن دجل رجال الدين وما ينسجون من أوهام، لِنُحَكِم صوت العقل ونتساءلْ هنا: هل تمتلك إيران فعلا مقومات الدولة القوية؟ الإجابة ستكون بالإيجاب، فإيران دولة بإمكانها أن تكون قوية لو أنها - وهذه فرضية- استثمرت جيدا مقدراتها البشرية والمادية، وأعادت التفكير في نهجها لتتخلص من إرثها الخميني»الثوري«وتتحول عن فكرة تصدير هذا الإرث الخميني إلى جوارها القريب والبعيد؛ لتسعى إلى إقامة علاقات بناءة تقوم على الاحترام المتبادل سيحول محيطها الجغرافي الإسلامي إلى عامل قوة مضافة يسند اقتصادها وسياساتها باستقرار إقليمي يجعل كل خطر يهدد دولة من دول الجوار خطرا يهدد إيران نفسها، وتتخلى عن حلم حيازة السلاح النووي الذي لن تكون إيران نفسها بمعزل عن آثاره المدمرة لو امتلكته وعنّ لها أن تستعمله ضد دولة من دول الجوار ولو كانت إسرائيل. أما إذا ما استمرت إيران على ذات النهج الذي لا يبني إلا العداوات، ويتنكر لحقوق الشعوب الإيرانية والإصرار على تصدير»الثورة» والعمل على تهيئة البيئة لظهور المهدي، فإن المستقبل ينذر بأسوأ العواقب.