الحلول التى اقترحتها بعض المنظمات الأممية المعنية بالغذاء فى العالم لمواجهة شبح الجوع ونقص سلاسل الإمدادات الغذائية ربما تكون مُسكِّنات وقتية، أو تأتى فى إطار التجييش الغربى فى مواجهة روسيا.

من تلك الحلول مثلًا دعم وحماية أنشطة الإنتاج والتسويق لتلبية الطلب المحلى على المواد الغذائية، ويتضمن ذلك بكل تأكيد دعم الأنشطة اللوجستية اللازمة للإنتاج الزراعى. اقترحت منظمة الغذاء العالمى «الفاو» أيضًا تنويع الدول لمُوردى الأغذية والمحاصيل الزراعية للسوق المحلية، فضلًا عن الاستغلال الأمثل لمخزون السلع الغذائية حتى لا يُعرضها لخطر النفاد، وبالتالى صعوبة الاستيراد، إما لقلة المعروض أو لزيادة الأسعار.

من السياسات التى اقترحتها المنظمة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعى لحماية الفئات الهَشّة والأكثر تأثرًا بالأزمة الغذائية، وأخيرًا تعزيز الشفافية ونشر المعلومات فى الأسواق، بما يضمن استقرار إمدادات وأسعار السلع الغذائية.

وأرى، وبعيدًا عن أى مجاملات، أن مصر مثلًا من الدول التى نفذت/ تنفذ حلول منظمة «الفاو» بشكل كبير، وذلك إضافة إلى ما تملكه مصر من ثروة غذائية كبيرة، تستطيع أن تصمد فى وجه الشبح الآتى من بعيد.

دول أخرى نفذت بعض الحلول أو السياسات مثل الهند التى اتخذت منذ فترة قرارًا بحظر تصدير القمح، وهو ما أثر على تواجد القمح فى العالم، وهذا المسلك يبدو أن مُنتجى الغذاء والمحاصيل الزراعية اتجهوا إليه بهدف توفير إمدادات كافية من المحاصيل المختلفة فى الأسواق المحلية، وتعزيز استقرار أسعارها، وبالتالى حماية أمنهم الغذائى.

وأيًّا كانت السياسات التى تقدمها المنظمات الأممية، إلا أنه من الواضح جدًّا أن أزمة الغذاء ستؤثر بشكل متفاوت على دول العالم، وستكون الدول النامية هى الأكثر تأثرًا، وبالنظر إلى أن الصين والهند والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية هى أكبر أربع دول منتجة ومصدرة للمحاصيل الزراعية فى العالم، وهى تشكل أيضاً 43% من سكان العالم؛ ومن ثَمَّ فهى أقل تأثرًا بالأزمة الحالية من دون غيرها من الدول.

وعلى الجانب الآخر فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثلًا، سوف تتضرر بشكل أكبر من هذه الأزمة نظرًا لاعتماد دول هذه المنطقة على واردات الغذاء، حيث تستورد 42% من القمح و23% من الزيوت النباتية من روسيا وأوكرانيا مثلًا، وهو ما يجعلها عُرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية، كما أن انقطاع جزء فقط من إمدادات القمح سيدفع تلك الدول إلى البحث عن مصادر أخرى، وبأى تكلفة، لتزويدها باحتياجاتها، بدلًا من روسيا وأوكرانيا.

سينجو فقط مَن يعتمد على زيادة الإنتاج، سينجو مَن يحقق مظلة تأمين غذائى لأفراد شعبه. سينجو مَن يفكر خارج صندوق الدول الكبرى فى العالم. سينجو مَن لا يتصور أن العالم هو أمريكا وروسيا فقط. العالم يتغير بشكل حقيقى، ونحن فى أزمة حقيقية، أتمنى أن يدركها الجميع، وألّا تشغلهم مهاترات أخرى عن أزمة تهدد الوجود.