عندما تقرأ أو تسمع تصريحات السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا حول التحرر من الوقود الأحفوري أو تقليص الاعتماد عليه خلال سنوات قليلة، قد يثير ذلك الاستغراب بالرغم من أن صناعة الطاقة المتجددة لم يكن ينقصها المال منذ سنوات، بل تُشكل وحدها ربع الإنفاق العالمي على الطاقة فضلًا عن أن وزنها في مزيج الطاقة أقل من ذلك بكثير كما تستغرب أن الاستثمار في صناعة البترول والإنفاق الرأسمالي كان محدودا في ظل الطلب المتزايد خلال الأعوام المقبلة.

باعتقادي أن ما يدعم هذا الحلم بالتحول السريع للطاقة البديلة هو كره المجتمعات الغربية للوقود الأحفوري خصوصًا البترول لارتباطه في الذهنية الغربية بأنه ثروة محتكرة، واحتكار السلع يصنع الثروة للأقلية على حساب الغالبية. وللأسف نجد أن حتى (أوبك) في بعض الصحف الغربية تُوصف بأنها منظمة احتكارية، والاحتكار مرتبط بالإقطاع الذي يُحدد المعروض على السلع الأولية ويُبقي الأسعار في ارتفاع على حساب أغلب أفراد المجتمع الأمر الذي يعزز من هذا التصور كلما انخفضت القوة الشرائية للأفراد ازدادت الفوارق الطبقية وضعف التجانس الاجتماعي على إثرها.

وفي أوروبا قضايا الفوارق الطبقية والتكامل الاجتماعي قضايا مهمة، لذا لا تكاد تخلو صحيفة أوروبية من الحديث عن فوارق الدخل بين المهاجرين وقضايا الأحياء الفقيرة وغيرها من الموضوعات، وبرغم أن هذا التصور الاحتكاري مغلوط عن البترول وأوبك تحديدًا إلا أنه وللأسف هذا هو التصور السائد لديهم اليوم، من جهة أخرى لا تستطيع حرية السوق أن تعيد توازن الأسعار بجلب الاستثمارات لزيادة المعروض مع ارتفاع أسعار الطلب المتزايد في ظل ضغوطات المشرعين البيئية على شركات البترول العالمية نحو عدم الإنفاق الرأسمالي على مصبات البترول مما قلل كميات المعروض النفطي، ولولا الشركات النفطية الوطنية التي استمرت في الإنفاق الذي أصبحت بفضله تشكل لوحدها 50 % من الإنفاق، لكانت الحال أسوأ.

كان آدام سميث في كتابة (ثروة الأمم) يرى بأن الديموقراطية والحرية تدعمان النمو الرأسمالي وحرية السوق لصنع التوازن لكنه لم يقرأ ما قاله (أرسطو) قبله بثلاثة آلاف عام في كتابه (السياسات) بأن الديموقراطية تُفسد الأنظمة وتعزز سلطة الغوغاء، لذلك الرئيس بايدن اليوم يتهم شركات البترول بعدم الإنفاق الرأسمالي في مكاسبها الاحتكارية كما تتهم به وكالات الأنباء أوبك بأنها تخدم ميزانيات الدول المنتجة وكل هذا غير صحيح وغير عادل بحق أوبك بقيادة المملكة التي تعمل على توازن السوق، لكن الواقع المُشاهد بأن رجل السياسة يكرر حديث الإعلام الذي يروق للعامة التي يعنيها دخلها وقدراتها الاستهلاكية، فبالرغم من أن أهم أسباب أزمة الطاقة التي حدثت مؤخرًا هي القيود المفروضة على استثمارات الشركات البترولية سواء في المصب أو التكرير، إلا أن الإعلام الغربي ما زال يكابر، كما أن رجال السياسة يقولون ما يحب أن يسمعه الفرد أو يصدقه ومليارات الطاقة المتجددة تفتح الباب للمبالغة كأي مال رخيص.