كانت ردود الأفعال الصينية حيال زيارة نانسي بيلوسي لتايوان محسوبة بدقة، وأيضاً ضمن النهج الجديد للسياسة الخارجية للصين. كانت الصين على مدى عقود طويلة تحافظ على سياسة مدروسة في علاقاتها الخارجيّة خاصّة بالولايات المتحدة ودول أوروبا الكبرى، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت وتيرة اللغة الدبلوماسيّة الصينيّة تتغيّر تدريجياً، مع خطط وإجراءات للتموضع التدريجي فيما تعتبره موقعها التاريخي كقوّة مهيمنة في آسيا، وبحسب المحلّلين فإن الحزب الحاكم في الصين يبني خططه لتعزيز وبناء دولة اشتراكيّة حديثة وقويّة تشمل الصين الكبرى بحلول الذكرى المئويّة لتأسيس الصين الشعبيّة في عام 2049.

السياسة الخارجيّة الصينيّة أيضاً اتّخذت منحى مباشراً نحو أهدافها في بحر الصين الجنوبي، وتسيّر الدوريات العسكريّة حول جزر سينكاكو/ دياويو التي تسيطر عليها اليابان، واشتبكت مع الهند في جبال الهيمالايا، وتهدّد بتصعيد غير مسبوق من يمسّ حقها في تايوان، وليس آخرها ما نُشر عن زيارة مرتقبة لنانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى تايون.

ومما يدلّل على المنهج الصيني الجديد أنّه بعد انهيار المحادثات التجاريّة بين واشنطن وبكِين عام 2019 ورفع إدارة ترامب للرسوم الجمركيّة من 10 إلى 25 في المئة على بضائع صينيّة، قامت الصين حينها بالإعلان عن خطط لزيادة الرسوم الجمركيّة على سلع أميركيّة بقيمة 60 مليار دولار. وحين وقّع الرئيس ترامب على قانون «هونغ كونغ لحقوق الإنسان والديموقراطيّة» الذي يسمح بفرض عقوبات على الأفراد الصينيين التي تراهم واشنطن مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في هونغ كونغ، بادر المسؤولون الصينيون بإعلان فرض عقوبات على العديد من المنظمات الأميركيّة، وعلّقوا زيارات السفن الحربيّة الأميركيّة إلى هونغ كونغ.

وفي خطوة أخرى طردت الحكومة الصينيّة عام 2020 ما لا يقل عن 13 صحفياً أميركياً من ثلاث صحف أميركيّة - نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وواشنطن بوست - وطالبت مراسلي مجلة تايم وصوت أميركا، بمشاركة المعلومات مع الحكومة الصينيّة. وبرّرت بكِين هذا الإجراء بأنه يأتي رداً على قرار الحكومة الأميركيّة في الحدّ من عدد الصحفيين الصينيين في الولايات المتحدة إلى 100، نزولاً من 160 صحفيّاً. وفي ذات العام حين قرّرت الإدارة الأميركيّة إغلاق القنصليّة الصينيّة في هيوستن، تكساس، (بدعوى أنها كانت مركزًا للتجسس وسرقة الملكيّة الفكريّة)، ردّت الصين فوراً بإغلاق القنصليّة الأميركيّة في تشنغدو.

وعكس الاجتماع الصاخب الأوّل بين كبار مسؤولي إدارة بايدن والمسؤولين الصينيين (19 مارس 2021)، في أنكوريج (ألاسكا)، عمق الخلافات بين الجانبين وانتهى الاجتماع المثير بتصريحات صينيّة قوية دون بيان مشترك. ربما تكون الأزمة الأوكرانيّة فرصة للصين، وقد تكون درساً مهمّاً.. فهل تنتهز بكِين الفرصة، أم تفضّل تعلُّم الدروس؟