حدثان مهمان أخذا مكانهما في الأسبوع الماضي، في مسرحين مختلفين هما كابول، وتايبيه، وكلاهما من صنع أمريكي. ففي الثاني من أغسطس/ آب، حطت طائرة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي في مطار تايبيه عاصمة تايوان، رغم احتجاجات وتحذيرات صينية مسبقة. وفي ليلة اليوم نفسه، أعلن الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، في خطاب متلفز عن مصرع أيمن الظواهري، رئيس تنظيم «القاعدة»، في عملية نفذتها طائرة مسيرة، استهدفت المنزل الذي يقيم به في حي السفارات بالعاصمة الأفغانية كابول. بمعنى التزامن الدقيق بين زيارة بيلوسي، والإعلان عن مصرع الظواهري.

يهدف هذا الحديث، إلى مناقشة دوافع كلا الحدثين، ولماذا تم اختيار تنفيذهما في هذا الوقت بالذات، والتداعيات التي يمكن أن تنتج عنهما.

بالنسبة لزيارة نانسي بيلوسي، لتايوان فهناك ما يشبه الإجماع، على أنها تشكل نقطة مفصلية في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، وهي علاقة امتدت لأكثر من خمسة عقود، منذ فتحت أبواب الصين لفريق البنج بونج الأمريكي، للقيام بمباراة ودية مع نظيره الصيني، في مطالع السبعينيات من القرن الماضي. وكان هنري كيسنجر، مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومي هو المهندس لتلك العلاقة، وواضع حجر الأساس فيها.

استفاد البلدان، بشكل مطّرد من هذه العلاقة، وبلغت حصة الولايات المتحدة من الصادرات الصينية، ما يقدر بخمسة وعشرين في المئة من مجمل الصادرات. وبموجبها تحقق للمواطن العادي الأمريكي، سهولة اقتناء أجهزة ومعدات متقدمة، بأسعار زهيدة. وليس من شك، في أن حجم التبادل التجاري الضخم بين الصين والولايات المتحدة، قد أسهم في الصعود الاقتصادي الصيني الكاسح.

وعلى الصعيد السياسي، حققت الصين ما تصبو له، من سحب الإدارة الأمريكية، اعترافها الدبلوماسي بما يعرف بالصين الوطنية، بعد أكثر من ثلاثة عقود، على رعايتها للنظام السياسي، الذي أسسه شان كاي شيك في جزيرة فرموزا، وتسلم الصين لموقعها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي.

لم تكن الصين، في مرحلة السبعينيات، وحتى نهاية القرن الماضي، في وضع يجعلها تطمح في تحقيق مكاسب سياسية أمريكية، أكثر مما حققته. لكنها مع ذلك، تمسكت بموقفها في تبعية تايوان لأراضيها، ورغبتها في عودتها للمركز، بشكل سلمي، مع تركيز مستمر على رفض تقديم أسلحة هجومية لها، من قبل أمريكا وحلفائها.

لكن الوضع الصيني تغير، بشكل دراماتيكي، في العقدين الماضيين، ولم تعد الصين تلك الدولة التي لا تهتم بحيازة موقع لها في السياسة الدولية، موقع يتناسب مع قوتها الاقتصادية، والمتغيرات في موازين القوى الدولية، لصالح التعددية القطبية، التي باتت أمراً واقعاً، رغم حالة الإنكار التي تعيشها الإدارة الأمريكية الراهنة. باتت الصين، تلح أكثر من قبل، على عودة تايوان لأراضيها، بكل الوسائل المتاحة. وانتهت لغة التمسك بالحل السلمي، سبيلاً وحيداً لعودة الجزيرة للبر الصيني.

لا يغير من الواقع شيئاً، بالنسبة للصين، القول بأن بيلوسي، تمثل السلطة التشريعية، ولا تمثل قراراً صادراً عن الإدارة التنفيذية، فمثل هذا القول، من غير الممكن التسليم به، مع استعار الخلاف بين الصين والإدارة الأمريكية، خاصة أن رئيسة مجلس النواب، هي الرقم ثلاثة في سلم الإدارة الأمريكية، بعد الرئيس ونائبته. وقد سبق لرئيس مجلس النواب، في عهد الرئيس نيكسون، جيرالد فورد أن تسلم سدة الرئاسة بعد استقالة الرئيس، إثر فضيحة ووتر جيت الشهيرة. وكان نائب الرئيس سبيرو أوغنيو قد استقال من منصبه، بعد اتهامه بالفساد، وبقي موقع نائب الرئيس شاغراً، ليملأه، حسب الدستور، رئيس مجلس النواب.

أما بالنسبة للحدث الآخر، وهو مصرع أيمن الظواهري، فإن من الثابت، وفقاً لتصريحات الإدارة الأمريكية، أنها كانت على علم بموقعه قبل أربعة أشهر من مصرعه. بمعنى أن قرار موعد تصفيته، ترك حتى يتوفر وقت مناسب لاستثماره سياسياً، على الصعيد المحلي أو الخارجي. ووفقاً لخطاب الرئيس الأمريكي، وما انتشر في أجهزة الإعلام الأمريكية، فإن الظواهري تم قتله قبل أربعة أيام من الإعلان الرسمي عن تنفيذ العملية العسكرية التي أودت به. إن تأجيل تنفيذ العملية، بعد العلم بمقر إقامته، قرابة أربعة أشهر، وتأخير الإفصاح عن مصرعه، أربعة أيام، وجعل الإعلان الرسمي عن ذلك يتزامن مع وصول نانسي بيلوسي إلى الصين، يطرح أسئلة مهمة حول دوافع التوقيت، في كلا الحدثين. وذلك ما سيكون جوهر موضوع مناقشتنا بشكل مركز، في الحديث القادم.