يعيش نظامان يزعمان أنّهما قويّان للغاية، في هذه المرحلة، تحت ضغط شعبي غير مسبوق. إنّهما العدوّان اللذان يتبادلان التهديدات: إسرائيل وايران!

في الشكل لا تبدو انتفاضة فلسطينيي الضفة الغربية التي تكبر مثل كرة الثلج وتهدّد إسرائيل جدّيًّا بالعودة الى زمن ما قبل اتفاقية أوسلو، مختلفة عن انتفاضة الايرانيين على النظام المستمرّة منذ اعلان وفاة الشابة مهسا أميني، على يد "شرطة الأخلاق" بعد اعتقالها على خلفيّة ارتداء حجاب غير مطابق للمواصفات.

وفيما أرهق النهج المتشدّد الذي يعتمده النظام الايرانيّين، يبدو أنّ فلسطينيّي الضفة أرهقهم "الاستعلاء" الاسرائيلي.

وكما الفلسطنيون يطمحون الى تحرير أنفسهم وعائلاتهم من إسرائيل،كذلك يطمح الايرانيون الى تحرير أنفسهم من المجموعة الحاكمة ومن تركيبة النظام من أساسه.

ولكن في العمق، ثمّة اختلاف جوهري بين تل أبيب وطهران، لأنّ إسرائيل التي تنظر الى نفسها على أساس أنّها "دولة يهوديّة"، تواجه من قبلوا، بالكاد، بوجودها ككيان، في حين أنّ النظام الايراني يحارب شبابه وشاباته، بعدما أمعن في تجاوز حاجاتهم واستقرارهم وطموحاتهم، تارة باسم "المواجهة مع أعداء الأمّة"، وطورًا باسم الدين.

ولكنّ هذا الفرق على أهميته لا يُلغي أنّ طهران كما تل أبيب، بدل ان تستمعا الى مطالب المنتفضين يُمعنان في اضطهادهم بالسلاح الحي والقتل والمعتقلات.
وكما أنّ ما يحدث في إسرائيل ليس جديدًا، اذ سبقته انتفاضات عدّة، كذلك الحال في ايران التي ينتفض شعبها،بمعدّل مرة كل ثلاث سنوات.

وهذه الحقائق إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على عجز كلّ من إسرائيل وايران على استبدال الأجوبة الطبيعية بالقمع الدموي المتمادي.

واذا كان النهج الاسرائيلي القمعي في التعاطي مع الفلسطينيين يحوّل تل أبيب الى نظام تمييز عنصري، بكل ما للكلمة من معنى، فإنّ التعاطي الدموي الايراني مع شعبه يجعله واحدًا من أسوأ الأنظمة في العالم.

وهذا يرتد سلبًا على ايران، فاسرائيل ليس لديها نظام حكم "استثنائي" ولا تضع ضمن قائمة أهدافها استتباع الدول الاخرى لاستعمالها في حروب هيمنتها على الآخرين. وهذه ليست حال ايران التي تحاول تصدير نموذجها الى دول أخرى، من خلال تنظيمات عسكرية شيعية، وتاليًا فإنّ القمع المنهجي الذي تعتمده سوف يرتد مريدًا من السلبيات تجاه نموذجها.

واذا كان المتشدّدون من الموالين لايران في الخارج لا يرفعون الصوت ضدّ النهج القمعي، فإنّ اولئك الذين يمتازون بالاعتدال بدأوا يضيقون ذرعًا بايران وأذرعها، متيقنين بأنّهم سيلاقون ،لاحقًا أم آجلًا، مصير مهسا أميني التراجيدي .

وهذا يعني أنّ النموذج الايراني لم يعد يجذب شرائح واسعة من غير الايرانيين، الأمر الذي يمكن أن يرتد سلبًا على أذرعه، أينما وجدت.

وبالفعل، فإنّ لجوء النظام الايراني الى العنف في التعاطي مع معارضيه، يجعله نظامًا ممجوجًا وعاجزًا عن الاستمرار لولا تمتّعه بفائض قوّة، لأنّه يقدّم الأدلة لشعبه والشعوب الخاضعة لأذرعه بأنّه أسوأ من أسوأ أعدائه الألداء.

إنّ انتفاضة الايرانيّين الحاليّة التي يختلط فيها البعد الاجتماعي بالبعدين السياسي والاقتصادي، مهما كانت نتائجها المباشرة، تؤكّد أنّ "ثقل المستقبل" لن يرحم "الجمهورية الاسلامية"، إذا لم تدخل تغييرات جذرية على سلوكها وعقيدتها، في وقت لن يريح فيه "ثقل التاريخ" إسرائيل، اذ انّ زواج الحق الوجودي مع الاستياء من التمييز العنصري، اذا لم تدخل "دولة اليهود" تعديلات بنيويّة على نهجها المعتمد منذ تأسيسها، سيبقيها كيانًا مؤقتًا محكومًا بالحديد والنار والسكين والحجر.