افتتح الخميس الماضي معرض الرياض الدولي للكتاب 2022 ويستمر لمدة عشرة أيام في مقره الجديد في واجهة الرياض، ويحمل المعرض لهذا العام شعار "فصول الثقافة"، وسيقدم خلال مدة المعرض برنامجا ثقافيا يغطي أوجه الإبداع المختلفة. وتشارك في المعرض 1200 دار نشر من 32 دولة حول العالم، إلى جانب أجنحة الهيئات الثقافية والمؤسسات العلمية والأكاديمية في المملكة. ومن أهم الأجنحة في المعرض جناح الطفل المصمم خصيصا لتعزيز حب القراءة والكتابة لدى الجيل الجديد، وتنمية شغفهم في مختلف المجالات الإبداعية.

وسيقدم المعرض في برنامجه الثقافي نخبة من الكتاب والمؤلفين الذين سيتحدثون للزوار عن مؤلفاتهم عبر سلسلة لقاءات "حديث الكتاب"، إضافة إلى الندوات والمحاضرات الثقافية والجلسات الحوارية التي تستضيف المفكرين والمبدعين في مختلف الموضوعات. ويحتفي المعرض بالثقافة التونسية، ضيف شرف معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام. وبعد هذه المقدمة المطولة، أريد أن أتحدث عن الكتاب الورقي بأسلوب ساخر اعتدت أن أكتب به قبل ثلاثة عقود، لأرى هل ما زال القارئ يفضل هذا الأسلوب أم أن العصر للجد ولا صوت يعلو فوق الكلمة الجادة. ولتكن البداية يوم تخيلت وأنا أتجول في معرض الكتاب صوت بكاء ينبعث من إحدى الزوايا فتوقعت أنه صادر من أحد الأطفال،..

لكنني بعد التحقق وجدت أن من يبكي هو "أحد الكتب" في رف من الرفوف.. وهنا توقفت للحديث معه.. وسألته، لماذا تبكي وأنت ترى كل هذا الاحتفاء بك والحضور الكبير رجالا ونساء وأطفالا من أجلك؟ قال، أنا أبكي فرحا أن الجميع عاد يتذكرني بعد أعوام الطفرة التي لم يعد أحد يهتم بي حتى من لديهم مكتبات كبيرة أصبحت فقط نوعا من الديكور أو "البريستيج" يصورون فيها ويرسلونها للآخرين دون إزالة الغبار عني وعن بقية الكتب. وأكثر ما كان يؤلم أن بعضكم كان يردد مع المتنبي "وخير جليس في الأنام كتاب" وفرحت أنه يبكي من الفرح.

وعزمت على الانصراف، لكنه استوقفني وقال: لم يكن بكائي من الفرح فقط، وإنما أبكي أيضا لأن جهازا جديدا في أيديكم أشغلكم عني وأصبح بعضكم يعتمد عليه مصدرا للثقافة، مع أن الثقافة الحقيقية لا توجد إلا في بطون الكتب، وإن لم تصدق فاسأل كبار المثقفين المعاصرين. هل تريد أن أذكر لك بعض الأسماء؟ قلت أنا أعرفهم وهم دائما يؤكدون ذلك، بل إن كبار الأدباء غير المعاصرين أو فلنقل الرواد لم يكن لديهم إلا الكتب مصدرا لبناء ثقافة عالية، وأدبا ما زال مصدر فخر أمتهم حتى الآن. وأردت مرة أخرى أن أنصرف، فقال الكتاب توقف، لماذا تبخل علي بدقائق أعبر فيها عما في نفسي ونيابة عن تلك الآلاف من الكتب التي تراها على الرفوف أمامك؟ قلت تفضل. قال، معرض الرياض للكتب من أهم المعارض التي تشرفنا أن نكون ضمن الكتب المعروضة فيها، لكن لماذا مدة المعرض عشرة أيام فقط، إنها لا تكفي في ظل انشغال الناس بأعمالهم ورغبة من كان خارج الرياض في الحضور وزيارة المعرض أكثر من مرة؟ قلت له، معك حق عزيزي الكتاب وسأنقل هذا الاقتراح منك إلى الجهة المشرفة على المعرض.
وختم عزيزي الكتاب حديثه بالقول، أوصيكم بالجيل الجديد. لا تشغلهم الألعاب عن الكتاب، لأن الطفل إن لم يتعود على القراءة منذ الصغر، فلن يفتح كتابا في حياته. تشجيعهم بالهدايا والجوائز والمسابقات الثقافية أمر مطلوب.

أخيرا، يعد معرض الرياض الدولي للكتاب حدثا ثقافيا مهما في المشهد الثقافي العربي، بوصفه أهم معارض الكتب العربية من حيث عدد الزوار وحجم المبيعات وتنوع برامجه الثقافية ومشاركة دور النشر العربية والإقليمية والدولية. ويشهد المعرض تطورا ملحوظا منذ إسناد الإشراف عليه لهيئة الأدب والنشر والترجمة التابعة لوزارة الثقافة، والمؤمل من الهيئة إعطاء أهمية خاصة لترجمة المفيد من الكتب الأجنبية إلى اللغة العربية، وكذلك ترجمة بعض المؤلفات السعودية إلى اللغات الأخرى ليطلع العالم على ما وصل إليه إنتاجنا الأدبي والثقافي في المجالات كافة.