عندما تولَّت إليزابيث الأولى الحكم بعد حكم ماري الدموية -كما قال عنها التاريخ- فرح الشعب البريطاني فرحا عظيما لأسباب عديدة منها أنها ابنة الشعب من ناحية الأم الملكة (آن بولين) ومن ناحية أخرى بأنها "حملت شعبها نحو صحوة الإصلاح نحو ثروة فكرية كبيرة في مجالي الفلك والجغرافيا وكذلك الفنون مما ساهم في قلقلة الأفكار الموروثة والصورة القديمة للعالم؛ فساد جو من التطلع والفضول العلمي" كل هذه الظروف التي ذكرناها آنفا ساهمت في ازدهار المسرح 1558 وبذلك ظهر لنا ما يسمى بالدراما الرومانسية التي كانت الطور الأول لخروج المسرحية من شرنقة مسرح العصور الوسطى.

لقد عشقت الملكة إليزابيث المسرح حين حكمت إنجلترا بل وعشقها الشعب حيث وجد فيها ضالته، لأنها تحمل الشعب في كفة فهي تنتمي له من ناحية الأم؛ والسلطة في كفة أخرى فهي سليلة عائلة ملكية؛ وبهذا كان عشقها للإصلاح والعلوم والثقافة والنهضة بكافة أنواعها، ومنها المسرح حتى سميت حقبة المسرح حينها بالمسرح الإليزابيثي إبان عصر النهضة (1625-1558) فتشكلت مجموعة من المسرحيات الدرامية المكتوبة خلال فترة حكمها (1603-1558) وخاصة أعمال الكوميديا (1564-1616) والتي اشتهر بها في المسرح الإليزابيثي والتي مهد لها عصر سابق عنه حتى اكتملت في أوجها عند شكسبير.

هذه الإبداعات الكوميدية السابقة تمثلت في أعمال جون ليلي (1554-1606) وروبرت بيل (1565- 1565) فهم الرواد الحقيقيون في هذا المجال بالنسبة للمسرح الإليزابيثي، ولهذا ما كان مسرح شكسبير إلا تطورا لما بدأه سابقيه والتي أطلق عليها الكوميديا الرومانسية؛ ولعل أبرز ملامحها هي الحبكة الثانوية، أي أن هناك حبكة موازية أخرى تساند الحبكة الرئيسة وتفسرها وقد تعلق عليها أو تسخر منها.

هذا وقد ظهرت هذه الكوميديا الرومانسية بحبكتيها بعد أن خرج المسرح من الكنيسة في أوروبا كلها إبان العصور الوسطى (1210) حينما صدر قانون بتحريم العروض المسرحية داخل الكنيسة فتشكلت العروض على شكل مهرجانات شعبية في الساحات والمناسبات باستخدام اللهجة المحلية بدلا من اللغة اللاتينية.

ومن هنا بدأ استخدام التراث الشعبي واستلهام الحكايات منه فيقول أحد النقاد ومؤرخي المسرح: "إنها قد ظهرت ملامح هذه التركيبة الدرامية الجديدة ربما لأول مرة في مسرحية الراعي الثاني وهي تنتمي إلى مجموعة المسرحيات التي كانت تعرض في مقاطعة ويكفيلد باسم مجموعة دورة ويكفيلد.

هذا التطور في الدراما هو الذي مهد لظهور الأعمال الكلاسيكية الجديدة ومنها أعمال شكسبير التي مهد لها كتاب خرجوا عن دراما العصور الوسطى في القرن الخامس عشر حتى انفصلت انفصالاً تاماً على أيدي مجموعة من الكتاب ومنهم "هنري مدوول، وجون هيود، وبعض المهتمين بالعلوم الإنسانية مثل توماس مور، وجون راسل" وتقول كتب تاريخ الدراما إن "هنري ميدوول كان راعيا دينيا في منزل الكاردينال (مورتون) قد كتب مسرحية فولجيس ولوكريس عام 1497م وكانت أول مسرحية ابتعدت تماما عن الموضوعات الدينية.. فقد أخذ موضوعها من مقالة لاتينية مشهورة حينذاك حول تعريف النبل "ومن هنا بدأ في إنشاء ما يسمى بالحبكة الثانوية حيث نجد ميدوول يضيف إلى الحبكة الأساسية الجادة التي تتخذ شكل المناظرة بين شخصيات كلاسيكية حبكة أخرى كوميدية موازية تشبه إلى حد كبير كوميديات بلاوتس فنجد في الحبكة الأولى - التي استقاها من مقالة لاتينية بعنوان De vera nobilitate والتي كتبها عالم الإنسانيات الإيطالي برناكورسو وترجمة إلى الإنجليزية.. فنجد في الحبكة الأولى سيدين رومانيين يتصارعان للزواج من لوكريس ونجد خادميها في في الحبكة الثانية يتصارعان للزواج من خادمتها"، أما جون هيود فربما لم يكتب حبكة ثانوية لكنه ساهم في هذا التطور بأن مهد له بأنه حيث "استقى معظم مسرحياته من القصص الشعبي"، ومن هنا دخل ما يسمى بالحب الرومانسي الذي انتسب له اسم الكوميديا الرومانسية التي انتشرت في الدراما السينمائية والمسرحية بشكل واضح وخاصة في الستينات والتي فتح لها الباب هؤلاء الكتاب الرواد في الدراما الإنجليزية فقد "استعار جون ليلي من تقاليد الحب الأفلاطوني في العصور الوسطى فكرة الحب الرومانسي وجعلها لأول مرة في تاريخ الدراما الإنجليزية المحور الأساسي في عمل مسرحي".

ومن هذه السطور يبدو لنا كيف أن الكتاب الرواد السالف ذكرهم قد أخرجوا الدراما من الدراما الوعظية في العصور الوسطى، إلى ساحة كبرى فتحت الأبواب لدراما الكلاسيكية الجديدة.

والأمر الثاني لتبيان أهمية البناء الدرامي بكل تفاصيله في حين أن هناك العديد من كتاب المسرح الذين قد يصل الأمر إلى ظهور أعمالهم على خشبات المسرح وتنشر لهم كتب ومطبوعات في زمننا هذا لكننا نجد خللا كبيرا في حبكاتهم وضفائر هذه الحبكات والتي سوف تُرصد فيما بعد لتكن معولا كبيرا في هدم هذه الأعمال إذا ما أردنا أن ننشئ مسرحا جيدا يخلد مع الزمن ويخلد أسماء كتابها يجب أن نجيد كتابة الحبكات الدرامية، فشكسبير بكل عظمة أعماله استقى واقتفى أعمال هؤلاء الكتاب وهذه التطورات في حرفية الكتابة.

الدراما المسرحية التي تكتنفها جماليات الخطاب وبلاغة اللغة وتشكيل الشخصيات ووجود الزمان والمكان وكل ماهو مزخرف لكنها قد تفتقد لحرفية البناء الدرامي واستعمال الحيَّل الدرامية الجادة –وهي أصعب وأميز ما تميز كاتب عن آخر– للتعقيد، والانفراجة، والتوتر، والمفارقة، وفن صناعة أفق الانتظار، وكل ما يجعل هذا النص لا يتماس مع صنف الرواية، بل عملا مسرحيا مستقلا؛ فبالحوار وحده لا تُبنى المسرحية.

إن الكتابة المسرحية تسجل تاريخ دراما العصر نفسه، كما سردناه في هذه السطور فيتناولها المؤرخون عبر الزمن كما سردنا في هذا المقال؛ وكما أثر الرواد والمؤسسات -كحكم اليزابيث أيضاً- في تطور حقبات تاريخ المسرح ليس الإنجليزي فحسب وإنما في تارخ المسرح العالمي بأسره.