تمتلك روسيا والصين علاقات متقدمة مع إيران وإسرائيل. وصلت علاقات موسكو وتل أبيب إلى حدود التنسيق الكامل في الميدان السوري إذا لم نقل التحالف والتعاون والتواطؤ. استفادت الضربات الإسرائيلية ضد أهداف في سوريا من غضّ طرف روسي، وربما من معلومات روسية بحكم السيطرة العسكرية لموسكو على الشارد والوارد في سوريا بالتعاون والتحالف مع طهران ودمشق.
لم تكن الولايات المتحدة معنية بالصراع السوري الذي انفجر عام 2011 إلا من بوابة ما يشكّله الأمر من مخاطر على أمن إسرائيل. ولم يستطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفاتحة نظيرة الأميركي السابق باراك أوباما في أيلول (سبتمبر) 2015 بخططه للتدخل العسكري في سوريا قبل إجرائه سلسلة من اللقاءات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك بنيامين نتنياهو للاتفاق على قواعد أي تدخل عسكري لروسيا في سوريا. وهذا فقط ما دفع واشنطن والغرب برمته إلى الانقلاب على المعارضة السورية لصالح المقاربة الروسية وحدها.
في المقابل فإن الصين نسجت علاقات متقدمة مع إسرائيل وأبرمت معها سلسلة اتفاقات في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والدفاع وصلت إلى حدود لامست التحالف الاستراتيجي. وبدا التنسيق بين البلدين مهدِّداً لأمن الولايات المتحدة والمنظومة الغربية، ما اضطر الإدارات الأميركية للتدخل لدى إسرائيل وفرض سقوف لعلاقتها مع الصين لا تسبب ضرراً لخطط واشنطن في التحصّن من مخاطر بكين الأمنية وكبح جماح اندفاع الصين في العالم.
كانت إسرائيل أول دولة في الشرق الأوسط تعترف بالصين الشعبية عام 1950. تجاوزت بكين خطابها الايديولوجي وأقامت علاقات مع تل أبيب عام 1992 وطوّرت من علاقات البلدين الاقتصادية فوصل التبادل التجاري إلى أكثر من 20 مليار دولار عام 2021، وباتت الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا وثالث أكبر شريك تجاري لها في العالم.
لم تقلق واشنطن من تنامي التجارة بين البلدين لكنها اكتشفت عام 1999 أن إحدى تقنيات الليزر التي زوَّدت بها واشنطن إسرائيل نُقِلَت إلى الصين وأن إسرائيل ساعدت الصين في تطوير المقاتلة "جي-10"، وهي استنساخ لمقاتلة إسرائيلية بمحرك أميركي طُوِّرت في ثمانينات القرن الماضي تحت اسم "لافي".
هنا تدخلت واشنطن لوضع حد لهذا الاستسهال الإسرائيلي وأجبرت إسرائيل على إلغاء صفقة لبيع نظام طائرات "فالكون" للإنذار المُبكِّر إلى الصين عام 2000. وتحت الضغط الأميركي تراجعت إسرائيل عن السماح للصين بإدارة ميناء حيفا الذي يرسو فيه الأسطول السادس الأميركي. ويمتد الميناء عند مخرج قاعدة بحرية مجاورة تستضيف أسطول الغواصات الإسرائيلي، التي يُعتقد أن لديها قدرة صاروخية نووية لجولة ضربات ثانية.
علاقات الصين وروسيا المتقدمة مع إسرائيل سارت متوازية مع خطاب ركيك لبكين وموسكو في دعم الحقوق الفلسطينية من جهة وفي نسج علاقات عادية ومتقدمة مع العالم العربي. ولم تكبح حدود علاقة البلدين مع إسرائيل موانع عربية، بل إن قواعد تلك العلاقة كانت دائماً تحت مراقبة الولايات المتحدة وحلفائها.
تنسحب السياسات الخارجية للصين وروسيا في الشرق الأوسط، للمفارقة، في طبيعتها وديناميتها مع علاقات البلدين مع إيران. وصل الأمر إلى عقد تحالفات مع طهران وإبرام اتفاقات دفاعية واقتصادية وصفت بالاستراتيجية من دون أي حرج أو تناقض مع برامج علاقات موسكو وبكين مع إسرائيل والعالم العربي.
وإذا ما تطوّرت علاقات إيران وروسيا بشكل تحالفي كامل في سوريا، فإن تدخّل إيران في الحرب في أوكرانيا لصالح روسيا وتزويد موسكو بالمسيّرات والصواريخ الإيرانية يكشفان ربط إيران مصيرها بمصير حليفها الروسي في ما يصبو إليه في معركته الأوكرانية، كما أن ما صدر من تقارير عن قرب تسليم روسيا لإيران سرباً من 24 مقاتلة سوخوي-35 يتناقض مع علاقات تتطلع إليها روسيا مع العالم العربي.
ولأن شكّلت زيارة الزعيم الصيني شي جينبينغ في 7 كانون الأول (ديسمبر) 2022 إلى السعودية علامة فارقة في علاقات بكين العربية، إلا أن اتفاق التعاون الاستراتيجي الذي وقعته الصين مع إيران في 27 آذار (مارس) 2021 لمدة 25 عاماً بقيمة 400 مليار دولار، يفرج عن مستوى عالٍ أرادته بكين في علاقاتها مع طهران.
على هذا، فإن مواقف الصين وروسيا لم تغير شيئاً في موازين القوى المتعلقة بالقضية الفلسطينية. بقي خطاب الدولتين نظرياً يأخذ في الاعتبار مصالح إسرائيل وأجندتها من دون أي معاندة جدية. كما أن موقف الدولتين من إيران بقي أساسياً وداعماً ومحابياً لطهران على الرغم من المواقف العربية، لا سيما الخليجية المعارضة لسلوك إيران في المنطقة. ناهيك بأن مواقف موسكو وبكين من تعرّض السعودية والإمارات لهجمات استخدمت فيها أسلحة إيرانية بقي دون مستوى المخاطر التي شكّلتها تلك الهجمات على أمن البلدين، كما أمن المنطقة إذا ما أخذنا في الاعتبار تدخلات إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
يبقى أن المنطقة قد لا تثق بمدى احترام الولايات المتحدة والمنظومة الغربية لالتزاماتها الأمنية والسياسية. والمنطقة تدرك حجم الاحتضان الذي يوفّره الغرب تاريخياً لإسرائيل، ومدى انتهازيته في البحث عن اتفاقات وصفقات مع إيران مهما اشتدت أخطارها على دول الجوار. لكن الثابت في المقابل أن الصين وروسيا أظهرتا خلال العقود الأخيرة اندفاعاً إلى تحسين وتحصين علاقاتهما مع إيران وإسرائيل على نحو لا يمكنه أن يقدم مطالعة في السياسة والأمن في المنطقة تكون ناجعة وصادقة ويُعتدّ بها، لتكون بديلاً انقلابياً عن تلك التي خبرتها المنطقة من واشنطن وحلفائها خلال القرن المنصرم.
ولأن حيثيات زيارة الزعيم الصيني للسعودية تشي عن تحوّل أثار استياء إيران، فإنه وجبت مراقبة الأداء الصيني لاستنتاج قدرة بكين أن تقدم رواية جديدة مُطمئِنة لدول المنطقة
- آخر تحديث :
التعليقات