غدت المجمعات التجارية مظهراً سائداً في كافة مدن وبلدات العالم، وربما قُراه أيضاً في بعض الحالات. لم تختف محلات البقالة ودكاكين البيع الصغيرة، ولا الأسواق التقليدية، التي توصف في بعض بلدان المغرب العربي ب«السوق العتيقة»، ولكن المجمعات التجارية باتت منافساً قوياً لها يرتادها الناس من مختلف الأجيال، خاصة من الأجيال الجديدة التي ولدت بعد نشوء ظاهرة هذا المجمعات ونشأت معها، فمذ كان هؤلاء أطفالاً اصطحبهم ذووهم إليها، لا للتبضع بالضرورة، وإنما للعب في الأماكن المخصصة لألعاب الأطفال التي نجدها في بعضها.

في هذه المجمعات نجد محلات بيع الملابس والأحذية والعطور والمجوهرات والساعات والنظارات والهواتف النقالة والحواسيب، وفيها نجد فروعاً للبنوك وشركات الاتصالات ومحلات الصرافة، وربما للبريد، دون أن ننسى طبعاً، وربما قبل كل شيء، المطاعم المتعددة المتنوعة في وجباتها، بما فيها محلات الأكلات السريعة، وكذلك أشهر أنواع المقاهي حيث يلتقي الأصدقاء أو أفراد العائلات.

وأصبحت المجمعات الكبرى التي تستقطب أعداداً هائلة من الروّاد تحرص على إلحاق فنادق راقية بها، يسكنها السياح المقتدرون القادمون من بلدان أخرى في إجازات قصيرة، ويرغبون في أن يكونوا قريبين من كل شيء، وهكذا نجد أنفسنا إزاء ما يشبه المدن المصغرة، التي تحوي في ثناياها كل ما توفره المدن من ضروريات.

في روايتها القصيرة «انظر إلى الأضواء يا حبيبي» تعالج الروائية الفرنسية آني إرنو، حائزة جائزة نوبل للآداب في العام المنصرم، موضوع هذه المجمعات، والتي أطلق عليها في الترجمة العربية التي وضعتها لينا بدر مسمى «المخازن الكبرى»، من حيث هي بانوراما واسعة غنيّة بالتفاصيل.

ربما كنا بحاجة لعين كاتبةٍ مبدعة، كما هي عليه عين آني إرنو، لنعيد ملاحظة ما اعتدنا على رؤيته في زياراتنا المتكررة لمثل هذه المجمعات، فهي لم تر فيها مجرد مكان للتدبير المنزلي والتبضع فقط، فهي، من منظور الكاتبة، «تحفز الأفكار وترسخ الذكريات والمشاعر والانفعالات»، ومن خلال هذه المجمعات «نستطيع كتابة قصص من الحياة».

تحكي بطلة الرواية، التي قد تكون هي الكاتبة نفسها، عن تجربتها عندما انعزلت في قرية كي تكتب، لكنها أخفقت، ومن أجل الترويح عن نفسها قصدت أقرب مجمع، «وعندما خالطتُ الغرباء وشاهدتُ الناس اكتشفتُ أنني شبيهة بكل الذين يأتون للقيام بجولة للترفيه عن أنفسهم، أو للهروب من وحدتهم»، وبكل عفوية شرعت تصف، كتابةً، ما تراه.