نعم كتبت هذا المقال والذين لا يحترمون النظام في هذه الدولة جُلهم نصب عيني:
***قُبيل أن يعدم بفترةٍ وجيزةٍ، جاءه - في الفجر - أحد تلامذته وقد هيأ له كل السبل الناجعة للهرب، فرفض سقراط أن يهرب فتوسل إليه تلميذه وهو يبكي، لكنه أصر على موقفه وقال للتلميذ: لقد علمتكم الخضوع لقوانين الدولة، حتى لو أُعدمت ظلماً، فالهرب فيه مصلحة فردية على حساب نظام يجب أن يسود المجتمع، فبالنظام يتوفر العدل، فالعدالة لا تتحقق فردياً بل اجتماعياً... فلو أن سقراط قبِل بالهرب لكان موقفه متعارضاً تماماً مع فلسفته التي استمر على التبشير بها.

***والتهمة كانت أن سقراط يُعلم شباب أثينا أن الشمس والقمر قطعتان من حجر وليسا إلهين كما يعتقد الأثينيون، وقد سبقه إلى ذلك القول انكساجوراس، ولكن الأخير يعيش في كنف العظيم بركليس، وهو الذي مكنه من الهرب من أثينا حتى لا يُحاكم، كما حوكم سقراط.

***ورفض سقراط استرحام القضاة، وكذلك رفض أن يتقدم بعض تلامذته من الأثرياء بدفع غرامة عنه بدلاً من إعدامه، وأقبل على الموت راضياً لكي تتخلص النفس من سجن البدن، وتنعم بالمعرفة الأبدية في عالم المُثل، كما يعتقد.

***ولما سُمح لتلامذته باللقاء الأخير معه قبل أن يتجرع السم، ألقى فيهم الكلمة التالية: إن ما كنت أنادي به يتلخص في إنقاذ أثينا من الفساد، والإبقاء عليها محصنة من الانهيار. سأموت، ولكن أثينا ستبقى أبد الدهر متمسكة بالتعاليم التي كنت أدعو إليها، الحرية، إبداء الرأي، والدعوة إلى الديموقراطية، في مقابل حكومة الطغيان والاستبداد، والدعوة إلى الفضيلة والخير، لأن الأخلاق الفاضلة هي الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه الدولة.

***ثم طلب من التلاميذ أن يسددوا للحارس ثمن أطعمة كان يأتيه بها... فلما انتحب البعض منهم قال:
- أما علمتكم ألا تنتحبوا مثل النساء عند الشدائد؟!
• ثم تناول وعاء السم وشرب، وبعد أن أفرغه في معدته قال: «سأموت وأنا أعرف أني لا أعرف شيئاً».