حينما رشحت للعمل في السلك الخارجي، نقلت وبسرعة أزفّ الخبر إلى والدتي رحمها الله، فأبلغتها بالخبر فقالت لي أين سيكون مقر عملكم؟ قلت لها لا شك أنه عمل دبلوماسي يتوجب علينا أن نعمل خارج البلاد، قالت خارج الكويت؟ قلت نعم، قالت لي يا ولدي لا أنصحك بذلك لأنك ستفقد علاقتك مع أهلك وذويك وستكون بعيداً عن كل ما يجري في بلادك.
وقالت وهي تردد المثل الكويتي الذي يقول «البعيد عن العين بعيد عن القلب»، هذه المهمة كان من المرشحين لها الراحل الصديق فارس عبدالرحمن الوقيان، وقد بلغنا بالخبر جميعا في آن واحد، اصطحبني لزيارة والده المغفور له العم عبدالرحمن الوقيان، حيث ابلغناه بما رشحنا للعمل فيه فسمعنا كلاماً مطابقا لحد كبير لما سمعناه من السيدة الوالدة رحمها الله، لا ينصح لنا بالعمل في الخارج، بل كان ينصحنا إذا كنا على قدرة أن نخدم الوطن في الداخل، والسبب في ذلك «البعيد عن العين بعيد عن القلب».

استجاب المرحوم فارس الوقيان لكلام والده الرافض، وقد استمررت انا في ركوب محمل العمل الدبلوماسي وقد أفنيت من عمري أربعين سنة متواصلة في خدمة البلاد في الخارج، ثم عدت بعد تلك الرحلة الطويلة إلى البلاد فوجدت كل من فارقتهم وكل من عشت معهم في فترة الصبا والشباب قد نزحوا عن هذه الأرض، فمنهم من تلقفته تراب الأرض واحتضنته، ومنهم من انطوى ساكناً وديعاً في احضان منزله لم يجد معه إلا زوجته، ومنهم من ينتظر، وتغيرت الوجوه ولم يعرف منك إلا الاسم فقط.

أما ما فعلته في الخارج ففي طي النسيان، وهذا ليس نهياً مني للعمل في الخارج، بل انني أعيب ترك الدبلوماسي فترة طويلة بعيدا عن وطنه، وهذا ما قد تنبهت له وزارة الخارجية أخيراً، إذ انها قررت أن يمضي الدبلوماسي الكويتي فترة أربع سنين فقط في الخارج ثم يعود ليختلط مرة أخرى بأهله وذويه وشعبه ليعرف ما تطورت فيه الأحداث ويتعرف على كل المسؤولين وغير المسؤولين في البلاد، وهذا أمر مهم جداً. جزى الله خيراً من أقر تنفيذه وساهم في العمل على اتخاذه.