ألكسندر دوغين باحث سياسي اشتهر بـ «راسبوتين بوتن» و«عقل بوتن»، هو مؤرخ وأستاذ علم الاجتماع في جامعة موسكو سابقاً، والمستشار السياسي والعسكري للكرملين، وفيلسوف القومية الروسية الذي يعتبره البعض في الغرب أخطر فيلسوف في العالم، ولكنه ليس أول من نادى إلى توحيد المناطق الناطقة بالروسية وغيرها من المناطق في إمبراطورية روسية جديدة واسعة النطاق، وفي كتابه الصادر عام 1997 «أسس الجغرافيا السياسية: المستقبل الجيوسياسي لروسيا»، انتقد دوغين بشدة النفوذ الأمريكي في أوراسيا ودعا روسيا إلى إعادة بناء سلطتها في المنطقة، كما ودعا إلى تفكيك أراضي الدول الأخرى.
وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على دوغين في عام 2015 لكون أطروحاته مسؤولة عن أفعال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار أو السيادة أو السلامة الإقليمية، علماً أن إضافته إلى قائمة العقوبات الأميركية أمر غير مسبوق تجاه ناشط فكري، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين هي حرية الرأي التي يتشدق بها الغرب ويدين فيها الدول العربية والإسلامية عندما يدافعون عن ما يمس سمعة دينهم ورسولهم الكريم؟ وهم يعاقبون المرء على إبداء الرأي في الأمور السياسية عندما يتعلق الأمر بمصالحهم!
فحسب وزارة الخزانة الأميركية يسيطر دوغين على موقع Geopolitica، وهو موقع على شبكة الإنترنت يعمل كمنصة للقوميين المتطرفين الروس لنشر معلومات مضللة، ودعاية تستهدف الجماهير الغربية وغيرها وفق ما يذكره الأميركان، وفيما يخص توجه دوغين السياسي ففي أوائل التسعينيات شارك في تأسيس الحزب البلشفي الوطني (NBP)، الذي تبنى وجهات نظر مناهضة للوسط بشدة وترك دوغين الحزب قبل إعلانه كمنظمة متشددة وحظر أنشطته، كما عمل دوغين لفترة وجيزة كرئيس تحرير لقناة Tsargrad TV، وهي قناة مسيحية أرثوذكسية موالية للكرملين.
وعندما نتتبع الحياة الفكرية والصعود السياسي لألكسندر دوغين نجد أنه شعبوي روسي مؤثر ومؤلف ستة عشر كتاباً عن الفلسفة والسياسة، وداعي إلى الإمبريالية الروسية، والتشكيك في الديمقراطية الليبرالية ومعاداة الغرب الذي يتبنى القيم الأميركية، وفي الواقع فإن دوغين وفلسفته ليستا حلقة غير مهمة في التاريخ الفكري الروسي، بل على العكس من ذلك، فإنهما يعكسان الاتجاه السائد في السياسة والثقافة الروسية الحالية إذا ما كنا نرغب في فهم روح العصر السائد في روسيا اليوم، ولذلك هو مفكر يعبر عن المشاعر العميقة للعديد من أبناء وطنه وقيادتهم وله العديد من الآراء المثيرة للجدل، كما أنه ضد الإنترنت وسيطرة التكنولوجيا الحديثة، ولديه آراء متحفظة بشأن اللاهوت والأديان، ويرى أنه صاحب النظرية الرابعة إلى جانب ثلاث نظريات سياسية أثرت على العالم في العصر الحديث: وهي الليبرالية والشيوعية والفاشية.
يرى دوغين أن النظرية السياسية الرابعة لا تركز على الفرد أو العرق أو القومية، وإنما تركز على الوعي الذاتي الإنساني الذي همشته التكنولوجيا، ونظراً لأن الوعي الذاتي يختلف من فرد لفرد ومن ثقافة لثقافة، فإن العالم لابد وأن يكون متعدد الأقطاب بدلا من قوة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة الأميركية، كما أن نظريته تتعارض مع التوجه نحو إقامة «حكومة عالمية» تقودها النخبة العالمية التي تضم مدراء الشركات العالمية الكبرى، وكان دوغين قد تنبّأ بأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا «حتمية»، ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التدخل العسكري في شرق أوكرانيا «لإنقاذ السلطة الأخلاقية لروسيا»، كما وُصف بأنه العقل المدبر وراء ضم الرئيس الروسي لشبه جزيرة القرم.
وأما فيما يخص النظرية الأوروآسيوية وأين موقع روسيا في هذا العالم المتعدد الأقطاب، يرى دوغين أن روسيا يجب أن تقود الاتحاد الأوروآسيوي، لذلك أسس الحركة الأوروآسيوية الدولية لتحقيق هذا الهدف، والاتحاد الأوروآسيوي ببساطة هي أقاليم الاتحاد السوفييتي السابق، وفي القلب منه روسيا، ومن ثم جاءت التحركات الروسية في شتى المجالات والتحالفات خطوة في هذا الاتجاه.
*باحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات