لا شك أن الخبر الذي أعلنته شركة التقنية العملاقة أبل أنها تعتزم الاستثمار في القطاع المالي من خلال برامج متعددة، أحدها أعلن سابقا وهو برنامج اشتر الآن وادفع لاحقا، والبرنامج الذي تناقلته وسائل الإعلام ويعد صدمة لكثير من المؤسسات المالية، وهو برنامج ادخاري يقدم عائدا بنسبة 4.15 في المائة، وهذا يتجاوز بأكثر من عشرة أضعاف ما تقدمه المؤسسات المالية للحسابات التي لديها وبمعدل 0.37 في المائة، وذلك بحسب ما جاء في بيانات المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع. وفق ما ذكرته صحيفة "الإندبندنت العربية"، وهذا بلا شك فارق كبير في العائد مقارنة بين الخيارين.

هذه الخدمة ستضيف الكثير إلى شركة عملاقة مثل أبل تتعامل مع مليارات من المستخدمين، حيث ستؤدي إلى زيادة أعداد المستخدمين لأجهزة أبل بمختلف أنواعها، فبعد أن كان ثمن أجهزة شركة أبل مكلفا، أصبحت الآن ذات قيمة مضافة لمن يريد أن يعظم من أرباحه من خلال إقراض الشركة، كما ستحصل شركة أبل على قروض رخيصة من السوق مقارنة بالتمويل الذي يمكن أن تحصل عليه من البنوك مع الارتفاع في أسعار الفائدة عالميا، وتعاني كثير من المصارف شحا في السيولة وارتفاعا في تكلفة الاقتراض، وبالتالي ستحصل أبل على سعر أقل للاقتراض. كما أن هذه الخدمة ستعزز من مركز أبل المالي لتتمكن من تغطية طلبات الاقتراض الخاصة بخدمة اشتر الآن وادفع لاحقا، الذي يقدم فترة سداد تصل إلى ستة أسابيع وهذه الخدمة حاليا متاحة في الولايات المتحدة.

هذه الخدمة قد تحقق ربحا هائلا لشركة أبل بحيث إنه على فرض أن شركة أبل حصلت على جزء من قيمة المنتجات التي تباع من خلال خدماتها اشتر الآن وادفع لاحقا بنسبة مقاربة للبطاقات الائتمانية التي تصل إلى 2.5 في المائة لكل ستة أسابيع، فهذا يعني أنه يمكن لها أن تحقق هذا العائد نحو تسع مرات في العام، علما بأنها في وضع أفضل من البطاقات الائتمانية، حيث يلزم العميل أن يسدد بشكل أسبوعي ما يعني أنها يمكن أن تستفيد من تدوير هذه الأموال أكثر من عشر مرات سنويا، وقد تحقق عائدا مركبا يصل إلى 30 في المائة أو أكثر سنويا مقابل أنها تدفع إلى المقرضين عائدا مقداره 4.15 في المائة، ولا شك أن هذا عائد كبير للشركة، وقد يؤثر بشكل كبير في حصة المؤسسات المالية من مدخرات الأفراد، وقد يضطر بعضها إلى أن يقدم عوائد منافسة لشركة أبل، كما أن شركة أبل يمكن أن تأخذ حصة لا بأس بها من شركات البطاقات الائتمانية.

لا شك أن من الأهمية بمكان أن يكون لدى المؤسسات المالية الإسلامية خصوصا خيارات جيدة للمستفيدين تحقق عوائد جيدة، وأن يكون الاهتمام بشكل كبير بقطاع الأفراد، حيث اتضح أن هذه الشريحة يمكن أن توفر سيولة هائلة للمؤسسات المالية، فيما لو وجدت برامج ادخارية جيدة ومرنة يمكن أن تحسب عوائدها بشكل يومي، خصوصا مع التقدم الكبير تقنيا الذي مكن العملاء من الحصول على التمويل خلال مدة قصيرة قد تصل إلى أقل من ساعة، فهذه التقنيات يمكنها أن تقدم خدمات برامج ادخارية بعوائد جيدة، وتكون أحد أهم الأدوات للأفراد لتشجيعهم على الادخار، كما أنها توفر خيارات متنوعة للمؤسسات المالية للحصول على السيولة، ما يعزز من مصادر سيولة أكثر استدامة وبتكلفة ستكون قطعا أقل من الخيارات الأخرى، وتوجد لبعض المؤسسات المالية برامج ادخارية لكن بشروط غير عملية لكثير من العملاء، ما يجعل الفائدة من هذه البرامج محدودة بل وعائدها على الفرد لا يكاد يذكر.

الخلاصة، إن شركة أبل تقدم اليوم خدمات تجعل منها منافسا للقطاع المالي من خلال الاستفادة من خبراتها التقنية والمعلومات الهائلة لديها من خلال برنامجين الأول خدمة الشراء الآن والدفع لاحقا، والخدمة الثانية من خلال محفظة ادخارية تقدم فائدة بعائد جيد مقارنة بالبنوك، ولا شك أن هذه التجربة يمكن الاستفادة منها في تقديم خدمات مرنة متوافقة مع الشريعة فيما يتعلق بالادخار، بحيث يتم تسهيل عملية الادخار بأي مبلغ كان ولأي مدة يختارها العميل، وهذه البرامج مع التقدم في التقنية ستحقق عوائد هائلة للمؤسسات المالية الإسلامية، حيث إن تكلفة الحصول على السيولة ستكون قطعا أقل تكلفة مقارنة بالسوق، خصوصا مع وجود السيولة الهائلة لدى الأفراد.