مع اجلاء طواقم السفارات الأجنبية من السودان، الشروع بتنظيم اجلاء الرعايا الأجانب من جميع المناطق في البلاد، يرتفع منسوب القلق لدى المواطنين السودانيين لانهم يلمسون في مكان ما ان قرار الاجلاء يمثل في مكان ما اعترافاً عربيا ودوليا بفشل كل المحاولات لوأد الصراع المسلح في أيامه الأولى، وبالتالي سيطول ويتفاعل الى حد يصبح معه من الصعب جدا اجلاء الدبلوماسيين والرعايا الأجانب. هذا إقرار أيضا ان ثمة توازن في القوى المتصارعة على الأرض، مما يجعل من الصعب جداً حسم المعركة في هذا الاتجاه أو الآخر. فالمعركة الدائرة حول المنشآت السيادية الرئيسية في العاصمة الخرطوم تحولت الى حرب مواقع بمحيط المطار الدولي ومقر القيادة العامة، والقصر الجمهور، فيما لم يتم التبليغ عن أي انتصار حاسم وواضح في مناطق الاشتباك داخل الخرطوم او خارجها سوى في مطار مدينة مروي. عدا ذلك لا يزال الجيش والدعم السريع يحتفظان بنسبة عالية من قدراتهما في ساحة المعركة التي، وان اقتصرت حتى الان على العاصمة و محيطها، وبعض المدن الأخرى، فإنها في مرحلة لاحقة قد تتمدد الى نواح أخرى من البلاد المترامية الأطراف، حيث من الممكن لأي من الفريقين أن يدير حرباً متعددة المستويات والوتيرة لوقت طويل جداً، بما يشبه القتال بين ميلشيات، تمتلك كل مقومات إطالة امد حروب من هذا النوع. فالطرفان يمتلكان مصادر مالية كبيرة، وكميات كبيرة من السلاح والذخيرة، فضلا عن علاقات إقليمية ودولية متشابكة، قد تدخل في الحساب متى طال امد الحرب، عندها يصبح لدول الجوار السبع، وابعد منها قوى إقليمية أخرى، ودولية بينها الولايات المتحدة وروسيا (عبر مرتزقة مجموعة "فاغنر" ) وغيرها أدوار متعاظمة في الصراع.

إن السودان مثل جيرانه في ليبيا، اثيوبيا، الصومال، ارتيريا والتشاد وغيرها في افريقيا يمكن ان يتحول مع الوقت الى ساحة صراع مسلح طويل المدى، يصعب إطفاء ناره، وبالتالي يصير من مصلحة بعض أو جميع هذه الدول والقوى المعنية بالوضع في السودان ان تتدخل في وقت ما إما لحماية مصالحها، أو لتعزيزها، او للعب بالخرائط في منطقة تعاني دولها من الحدود المتفلتة والمائعة جدا.

لا بد من التذكير بأن انفجار الوضع العسكري بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي" دفن "اتفاق الاطار" ومعه مشروع الانتقال الديموقراطي في السودان. أصلا كان سبق ذلك الانقلاب المضاد ( 2021) على ثورة 2019 التي اسقطت نظام عمرحسن البشير، وقاده الجنرالان معا ضد القوى السياسية المدنية. ومن هنا من المؤكد ان يكون حمام الدم الذي يلوح في افق السودان الاطار الأمثل لمشاهدة نهاية حلم ديموقراطي عابر في السودان. فكلا الطرفين لا يعبأ بالمسار الديموقراطي، لا الجيش النظامي مهتم به، ولا الجيش غير النظامي ( قوات الدعم السريع ) مهتم هو الآخر. ففي الميزان مصالح سلطوية، مافيوية اكبر. وكما اشرنا قبل، فإن اطالة امد الصراع ستدخل حكماً الى المشهد قوى الإقليم من الجوار الأقرب الى الجوار الابعد، فالقوى الدولية الكبرى صاحبة الإمكانيات الواسعة لتسعير حرب نفوذ لها تردداتها على نطاق أوسع من دول الجوار السبع، عبوراً الى الجزيرة العربية التي تبعد عن شواطئ السودان اقل من 300 كلومتر ناحية البحر الأحمر، وهو الممر الاستراتيجي لامدادات النفط الخليجي، وجزء وازن من التجارة العالمية.

كلما طال امد الحرب تمددت عوارضها واصابت شظاياها المحيط المباشر والغير مباشر لان ما سيحصل في السودان على ما يقول خبراء جيوسياسيون لن يبقى في السودان.

خلاصة القول، يمتلك النزاع الحالي جميع عناصر الصراع المفتوح: آلاف المقاتلين، دول خارجية متدخلة، ومصادر تمويل. ويبقى الغائب الأكبر وهو الضحية الكبرى: الشعب السوداني!