يبدو القرار الغربي واضحا. لا خيار آخر أمام أوروبا المدعومة من أميركا غير الانتصار في الحرب الأوكرانيّة. معنى ذلك إلحاق هزيمة بالذي اتخذ قرار الحرب، وهو فلاديمير بوتين. بات السؤال الآن ما العمل بروسيا في ضوء الهزيمة التي ستلحق ببوتين عاجلا أم آجلا؟ ليس معروفا ما الذي ستكون عليه روسيا بعد خسارة الحرب الأوكرانية وما الذي سيكون عليه مصير فلاديمير بوتين الحاكم بأمره منذ العام 2000.

سيكون ذلك بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة… أو أكثر. لكن نتيجة الحرب يجب ألّا تخفى على أحد وذلك على الرغم من كل ما تمارسه إدارة جو بايدن من سياسات متذبذبة في مختلف أنحاء العالم. في النهاية، لا تمتلك أميركا اللجوء إلى التذبذب في كلّ ما له علاقة بالحرب الأوكرانيّة. لا يمكن لأيّ إدارة أميركيّة قبول أن تكون أوروبا تحت رحمة روسيا وشخص فلاديمير بوتين بالذات.

مثلما انتصرت أوروبا على ألمانيا في الحرب العالميّة الأولى وفي الحرب العالميّة الثانية، ستنتصر هذه المرّة على روسيا وعلى فلاديمير بوتين الساعي إلى لعب الدور الذي لعبه هتلر في المرحلة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية في العام 1939. في الحالين، جاء انتصار أوروبا على ألمانيا بفضل التدخّل الأميركي. هذه المرّة ستنتصر أوروبا بدعم أميركي غير محدود لها، مع حلول بوتين مكان هتلر. اختار الرئيس الروسي لعب دور هتلر من دون امتلاك إمكاناته. يعترف مسؤولون أوروبيون أنّ الصمود في وجه روسيا ما كان ممكنا لولا الموقف الأميركي. يعرف هؤلاء أن أوروبا لا تمتلك خيارات عسكرية لولا الولايات المتحدة. كان آخر تعبير عن هذا الموقف إعلان الرئيس جو بايدن السماح لحلفاء الولايات المتحدة بتزويد الجيش الأوكراني بطائرات من طراز “أف – 16” الأميركيّة الصنع. فوق ذلك، جاء إلى هيروشيما الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي حصل على دعم غير محدود من زعماء الدول السبع (الولايات المتحدة، كندا، اليابان، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا).

يبدو أنّ الموقف الذي اتخذه زعماء الدول الصناعية الغربيّة السبع في القمة التي انعقدت في هيروشيما المدينة اليابانية، التي يتحّدر منها رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، كان قرارا حاسما ونهائيا. قد تكون هيروشيما اختيرت مكانا للقمّة في هذا التوقيت بالذات كي يبعث الغرب برسالة إلى بوتين لتذكيره بالنتائج التي تترتب على استخدام السلاح النووي، وهو سلاح لجأ إليه الأميركيون، لمرّة واحدة فقط، لفرض الاستسلام على اليابان في الحرب العالميّة الثانيّة. لم يعد سرّا أن اليابان استفادت من تلك التجربة المرّة.

كلّ ما في الأمر أنّ فلاديمير بوتين سيدفع ثمن سلسلة الأخطاء التي ارتكبها عندما قرّر اجتياح أوكرانيا قبل سنة وثلاثة أشهر. لم يكن الرئيس الروسي يعرف شيئا عن أوكرانيا. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه لم يفرّق بين سوريا وأوكرانيا وأن ما هو مسموح له في سوريا، من قتل للشعب السوري وتدمير لقراه ومدنه، ليس مسموحا له به في أوكرانيا.

تحوّلت الحرب الأوكرانيّة شيئا فشيئا إلى حرب روسيّة – أوروبية. غيّر هذا الواقع النظرة الأوروبيّة إلى إيران بعدما صارت طرفا في العدوان الذي تتعرّض له أوكرانيا وشعبها، بمعنى أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة”، التي تعاني من أزمة اقتصادية ومن أزمة نظام فاشل، صارت بمسيّراتها وصواريخها جزءا لا يتجزّأ من الحرب الروسيّة – الأوروبيّة.

قبل بدء الحرب الأوكرانيّة، في 24 شباط – فبراير 2022، ذهب فلاديمير بوتين إلى بكين. لم يلق وقتذاك التجاوب الصيني الذي كان يتوقعه. ليس معروفا هل كان حظه أفضل مع الصين، بعد مجيء شي جينبينغ إلى موسكو، قبل نحو شهرين. لكنّ الواضح أنّ أمورا عدّة تغيّرت مع بدء الصين لعب دور أكبر على الصعيد الدولي. ظهر ذلك واضحا من خلال رعاية بكين بداية المصالحة السعوديّة – الإيرانيّة عبر صدور البيان الثلاثي المتعلّق باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في غضون شهرين… في حال التزمت “الجمهوريّة الإسلاميّة” شروطا معيّنة. من بين هذه الشروط “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”. في كلّ الأحوال، يظهر أنّ ثمّة حاجة إلى ما يزيد على شهرين لمعرفة النيات الحقيقيّة لإيران. ستكون حاجة إلى بعض الوقت لمعرفة هل ستذهب الصين في دعم بوتين أم تعرف سلفا أن حربه خاسرة وأنّ عليه الاعتراف بهزيمته.

من هذا المنطلق، قد يكون السؤال الأهمّ في المرحلة المقبلة مرتبطا بطبيعة الدور الذي ستلعبه الصين في أوكرانيا بعدما قدمت أفكارا تصلح أساسا لمبادرة توقف الحرب. لا شكّ أنّ المقدمة التي وضعتها الصين لمبادرتها يمكن أن تكون أساسا لوساطة مستعدة للقيام بها. جاء التركيز، في مقدّمة الأفكار التي طرحتها الصين، على احترام القانون الدولي. آخر ما يهمّ فلاديمير بوتين هو القانون الدولي بدليل أنّه يلوح بين حين وآخر بالسلاح النووي. لا يعرف حتّى أنّ ليس في استطاعته استخدام مثل هذا السلاح، نظرا إلى أنّ الغرب يمتلك أيضا قنابل ذرّية.

ليس سرّا أنّ ثمة توترا في العلاقات الأميركيّة – الصينيّة. هذا التوتر ظهر بوضوح من خلال القمة التي عقدتها الدول الصناعيّة الغربية السبع (G7) في هيروشيما والتي عبرت فيها أميركا عن تضايق مع الصين، لكنّها حرصت في الوقت ذاته على عدم قطع شعرة معاوية معها.

مع إصرار بوتين على المضي في حربه الأوكرانيّة التي تحولت إلى حرب روسيّة – أوروبيّة في عالم يزداد تعقيدا بشكل يومي، ترى الصين في الحرب الأوكرانيّة فرصة لتكريس دورها السياسي على الصعيد العالمي. ليس ما يشير إلى استعداد أميركي وأوروبي لقبول بالدور الصيني، إلّا ضمن حدود معيّنة. يعود ذلك إلى أنّ بكين غير مستعدة لمباشرة تحركها من حيث يجب أن تبدأ، أي بإدانة الحرب على أوكرانيا. لن يساعدها في ذلك شخص مثل فلاديمير بوتين يرفض خيار التراجع والاعتراف بأنه يخوض حربا لا يمكن أن ينتصر فيها!