«في رئيس أو ما في رئيس»؟ هذا هو السؤال الذي «يتلهى» به اللبنانيون على مدار الساعة. يسألون بعضهم بعضاً ويسائلون من يتعاطون بالسياسة. من الطبيعي أن تأتيهم غالبية الأجوبة بالنفي، وباستبعاد حصول أعجوبة تؤدي إلى إنهاء الفراغ الرئاسي.

إذا كان بعض الأوساط الإعلامية يعلّق آمالاً كالعادة على تحرك خارجي جديد، والطازج منه هو وصول الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان- إيف لودريان اليوم إلى بيروت، فإنّ العارفين بطبيعة مهمة الرجل الملم بالملف اللبناني الذي عايشه على مدى سنتين في منصبه في الخارجية، لا يخطئون بإيهام أنفسهم والناس بأنّ مهمته استطلاعية حيث سيلتقي الفرقاء كافة، ثم يقدم تقريراً للرئيس إيمانويل ماكرون عن حصيلة ما سمعه وعن اقتراحاته في شأن أي خطوة عملية ممكنة لإخراج الأزمة الرئاسية من عنق الزجاجة. أي أنهم لا يتوهمون مثل أوساط أخرى تتقصد إلهاء اللبنانيين المتعلقين بحبال الهواء بالتوقعات والتكهنات والرغبات حول إمكان حصول تقدم ما في شأن الاستحقاق الرئاسي.

الغالبية العظمى تستبعد أي حلحلة قريبة، وبعض هذه الغالبية ينتظر أياماً بشعة على اللبنانيين، قد يخفف من وطأتها قليلاً، ما يحمله المغتربون الذين سيزورون لبنان في فصل الصيف، جراء إنفاقهم بعض المال في الأسواق وفي الأماكن السياحية. وما أن يعود هؤلاء إلى بلاد الاغتراب حتى يواجه الناس قساوة الفراغ في المؤسسات وآثاره الكارثية على حياتهم اليومية.

قد يتعلق السائلون عن مصير الرئاسة بحبال بعض التحركات الخارجية، لكنهم لن يلبثوا أن يواجهوا الحقيقة. فحتى الخارج الذي يبدي بعض الاهتمام هو الآخر سيذهب في إجازة صيفية بعد أسابيع قليلة، تمتد أكثر من شهر، ليترك ساحة لبنان بحالها، حيث يتأقلم اللبنانيون مع المآسي المتوالدة التي اعتادوا التكيّف معها رغم التقارير المتشائمة لـ»اليونيسف» عن أن حوالى 9 من كل 10 أسر لا تملك ما يكفي من المال لشراء الضروريات، وللبنك الدولي عن أن «التطبيع مع الأزمة ليس طريقاً للاستقرار»...

ربما كانت الفكرة العملية الوحيدة التي يأتي بها لودريان هي أنه مع التخلي الفرنسي عن المضي في المجاهرة في دعم خيار سليمان فرنجية، هي أنّ باريس التي تجدد مبادرتها من دون طرح أسماء تجنباً لما سبق أن حصل من رفض مسيحي لخيارها في الأشهر الماضية، ما زالت على اقتناعها بالمعادلة التي اعتمدتها في تحركها السابق، وركيزتها الاتفاق على رئيسي الجمهورية، كائناً من كان، والحكومة معاً، على أن يرضي الأول «الثنائي الشيعي» ومن ورائه إيران، وأن يكون الثاني منتمياً إلى قوى المعارضة المؤلفة من السياديين والتغييريين والمستقلين، ومعهم السعودية والدول العربية ولا سيما الخليجية. والحجة إياها في تبرير البقاء على فكرة المعادلة بين الرئاستين هي تجنب أن يحصل اشتباك سياسي حول تركيبة الحكم بعد الانتخاب المفترض لرئيس الجمهورية.

لكن دون ذلك مرة أخرى اتفاق على اسم الرئيس أولاً، في وقت يؤكد المتصلون بـ»الثنائي الشيعي» أن قيادتيه متمسكتان بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجيه، «إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً».

فقوى الممانعة ما زالت على إصرارها على مرشحها، وليست في وارد التجاوب مع التلميحات التي اطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أول من أمس حول الحاجة إلى التوافق، معترفاً بذلك بعدم قدرة أي فريق على الإتيان بمرشحه، بما يعني إبداء استعداده للتخلي عن المرشح الذي تقاطع عليه مع فرقاء المعارضة، الوزير السابق جهاد أزعور، مفترضاً أن يتخلى «الثنائي» عن فرنجية.

واحد من انتظارات الأشهر المقبلة، أنّ غياب أفق اتفاق خارجي، سواء أميركي، أو سعودي إيراني قد يطلق مجدداً مظاهر تشتت المعارضة وتقاطعها مع «التيار الحر». وفيما يصر المعارضون على التمسك بترشيح أزعور مقابل تمسك الفريق المقابل بفرنجية، فإنّ باسيل يقدم عروض التوافق مع «الحزب» على المرشح الثالث، فيما الأخير ليس بهذا الوارد، لأنّ حساباته تتعدى الساحة اللبنانية إلى الإقليم. لكن النتيجة هي تصدّع جديد في الجبهة التي أيّدت أزعور، الأمر الذي يسعى «الثنائي» إلى الاستفادة منه في مرحلة الانتظار.