شهدت المملكة الأسبوع الماضي نشاطاً واسعاً في تعزيز الشراكات الدولية حيث وقعت اتفاقيات شراكات وتعاون مع اليابان ثالث أكبر اقتصاد عالمي وأيضاً مع تركيا أحد أهم الاقتصادات الناشئة يضاف إلى ذلك ماتم توقيعه مع دول عديدة بالعالم خلال السنوات الست الماضية. كما عقدت القمة التشاورية الخليجية وكذلك القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى فكان أسبوعاً حافلاً يعكس مكانة المملكة في العالم.
فسياسة الانفتاح التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ إطلاق رؤية 2030 أثمرت عن تغيير واسع في طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية إذ أصبحت الدول التي وقعت معها الاتفاقيات شريكة في التعاون على تحقيق الرؤية من خلال الاستثمارات المتبادلة والتوسع بالتجارة البينية معها ونقل الخبرات والتقنية وتوطينها.
إن ما يعزز مكانة المملكة عوامل عديدة من خلال دورها الإيجابي بدعم نمو الاقتصاد العالمي من خلال توازن واستقرار أسواق الطاقة نظير جهودها الكبيرة في ذلك من خلال العمل ضمن مجموعة أوبك بلس بالإضافة لموقعها الجغرافي وعمقها العربي والإسلامي والشرق أوسطي، وقد أثمرت التحولات بالاقتصاد الوطني عن نتائج إيجابية حيث حقق نمواً بالناتج المحلي بمقدار 66 بالمائة منذ 2015 بداية برنامج التحول الاقتصادي وحتى نهاية العام الماضي والذي تجاوز حاجز التريليون دولار لأول مرة، وقد أثبت الاقتصاد الوطني مرونته خلال أزمة كورونا قبل ثلاثة أعوام والتي تستمر تداعياتها عالمياً إلى وقتنا الحاضر ومع ذلك حقق أفضل معدل نمو بمجموعة العشرين العام 2022 بمقدار 8،7 بالمائة كما توسع نشاط وتأثير القطاع غير النفطي بنسب عالية وانخفض دور النفط بموارد الميزانية العامة، فالإصلاحات الاقتصادية ساهمت برفع الإيرادات غير النفطية لتحقق معدلات غير مسبوقة تقارب الـ33 بالمائة من الإيرادات العام الماضي، وقد وجهت المملكة إمكانياتها نحو توسيع عمل كافة القطاعات الاقتصادية التي تمتلك ميزاً نسبية ناجحة وضخت استثمارات ضخمة فيها من خلال استراتيجية الاستثمار والتي يعد صندوق الاستثمارات العامة أهم ركائزها، حيث أسس عشرات الشركات لتنشيط تلك القطاعات في مجالات صناعية وخدمية وتقنية وزراعية وخدمات الترفيه والسياحة والتطوير العقاري وغيرها بالإضافة لطرح مشاريع عملاقة مثل مدينة نيوم والبحر الأحمر والقدية والعديد من المشاريع التطويرية المميزة بكافة المناطق، فأصبحت جاذبية الاستثمار مرتفعة محلياً ومن الخارج وهو ما يفسر حجم الشراكات والاتفاقيات التي وقعت خلال السنوات الماضية ومنها ما أعلن عنه الأسبوع الماضي خصوصاً مع اليابان وتركيا بمجالات الطاقة والعديد من الصناعات، فحجم الاستثمارات المتوقع ضخها بالاقتصاد الوطني يقارب الـ 7 تريليونات دولار خلال هذا العقد وهو ما يعد من أعلى معدلات الضخ الاستثماري عالمياً، ولذلك وسعت المملكة علاقاتها الاقتصادية والتجارية الدولية لأن من شأن ذلك أن يساهم في دعم وتنفيذ أهداف الرؤية ويرفع من تنافسية الاقتصاد ويوسع من الحصص بالأسواق الخارجية لمختلف المنتجات المحلية التي سيضاف لها صناعات ومنتجات نهائية جديدة مثل السيارات الكهربائية والطاقة بالإضافة لما هو قائم حالياً.
كما كان للسياسات المالية والنقدية المتوازنة والمرنة دور كبير في تحقيق النجاحات الاقتصادية التي بدأ يظهر أثرها بتنويع مصادر الدخل بالإضافة لتجاوز التحديات التي نتجت من جائحة كورونا وأوجدت عدم يقين بتوجهات الاقتصاد العالمي وتحدي تحجيم التضخم وإبعاد شبح الركود فكان لسياسات المملكة القدرة على تجاوز تلك التحديات وتحقيق نمو كان الأفضل من بين دول العالم بالإضافة للمحافظة على الاحتياطي المالي الضخم الذي يغطي احتياجات الاقتصاد من الواردات لقرابة الـ 40 شهراً وهو أعلى من المعدل العالمي الإرشادي عند ستة شهور. فالتغيرات المتسارعة في جاذبية الاستثمار محلياً جاءت بشكل أساسي من تطوير هائل بالأنظمة والتشريعات فاق عددها الـ 200 تنظيم وتشريع كما أن استراتيجية التحول الشاملة بكافة القطاعات الاقتصادية وطريقة إدارتها ودعمها وتأسيس كيانات عملاقة لتقودها بمعايير متقدمة كان لكل ذلك دور بارز في أن تكون المملكة محط الأنظار وتستقطب المستثمرين نظراً للفرص الهائلة التي استحدثت.
المملكة أصبحت القطب الاقتصادي الأهم والأكبر والأول بالشرق الأوسط بفضل الرؤية الاستراتيجية التي وضعت أهدافاً محددة قابلة للتحقق ومناسبة لإمكانيات الاقتصاد والمجتمع وكذلك التحالف مع المستقبل والتوجه والتوسع بالاقتصاد الرقمي والاعتماد على التقنية وإدخال الذكاء الاصطناعي في قطاعات عديدة منها برنامج مصانع المستقبل وقطاع التقنية المالية ودعم كل هذه التوجهات برأس مال بشري يتم تأهيله ببرامج عديدة بالجامعات والابتعاث ومختلف طرق التدريب والتأهيل التي تتماشى مع احتياجات سوق العمل كما تم إطلاق برامج مكملة لبعضها لدعم احتياجات الاقتصاد حتى تعمل المنظومة بما يخدم كافة الأنشطة الاقتصادية ويدعم نموها.
التعليقات