كلُّ الحكم وأقوال مجرِّبي الحياة يؤكِّدُون «لا تصاحب أحمقَ ولا تسير في حياتك مع أحمق»؛ لأنَّ الحماقة مادة نفَّاذة تطلقها نفس الأحمق وتحرِّكها هرموناته، فتقضي على مَن أمامها، وفي الوقت نفسه مادة قابلة للاشتعال تحرق كلَّ مَن حولها، تسمُّ بدن مَن تحلُّ فيه، وتشعلُ النَّار في حياة مَن تواجهه أو تحيط به، ويستمدُّ الأحمقُ إشعال ناره من «الغضب» الذي هو جمرة من نار، لذلك نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرَّات عن الغضب، مؤكِّدًا أنَّه مُمْرضٌ للنَّفسِ ومدمرٌ للأعصابِ.

يقول عليه الصلاة والسَّلام محذِّرًا من خطورته: «لا تغضبْ، لا تغضبْ، لا تغضبْ»، ويسنُّ عليه الصلاة والسلام للحظة شحن النفس بالغضب علاجًا شافيًا وسريعًا بضرورة سرعة مواجهتها، وامتصاص حدَّتها بتغيُّر ما عليه الإنسان من وضع إلى وضع آخر يتيح للنفس والجسم خاصَّة الدماغ تلافي لحظة الغضب بالوضوء، وذكر الله. ومَن كانَ قائمًا فليجلسْ، ومَن كانَ جالسًا فليضطجعْ؛ لأن ذلك يطفئ نار الغضب.

وغالب القول إنَّ الحماقةَ ووقودها الغضب من الأمور المرسلة الداخلية في الجهاز العصبي للإنسان، وإنه لا يستطيع أنْ يتحكم فيها؛ لذلك كان التوجيهُ النبويُّ الحد من آثارها قدرَ الإمكان؛ حفاظاً على الإنسان من أنْ يرتفع ضغطه، أو أن يتصرف تصرفاً لا تحمد عقباه؛ لأنه في حالة هيجان ولحظية من اللاشعور المارد عن التعقل والروية، ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى أنَّ طلاق الغضبان لا يقع للحديث النبويِّ «لا طلاقَ في إغلاقٍ»، والإغلاق هو الإكراه وشدَّة الغضب الذي يغلق على الإنسان قصده وفهمه؛ حتَّى لا يتصوَّر ما ترتَّب على الطلاق من أمور ضارَّة، وعند بعض أهل العلم أنَّ الغضب الخفيف يقع عنه الطلاق، وإنَّما المقصود بالإغلاق الغضب الشديد فقط، وسيدنا موسى -عليه السلام- عندما أدركه الغضب ألقى الألواح، وتصرَّف تصرُّفًا فيه شدَّة، وهو أن أخذ برأس أخيه يجرُّه إليه، وهكذا فإنَّ الغضب والحماقة ذات آثار سلبيَّة على النفس والمجتمع، وأهم عضو فِي الإنسان يتأثَّر بالغضب القلب، الذي يتفاعل مع المعطيات الفسيولوجيَّة التي تفرزها لحظات الغضب، فيفقد الإنسان حياته بسكتة قلبيَّة؛ نتيجة ارتفاع ضغط الدم المفاجئ، أو تدركه جلطات تُقْعِدهُ وتشلِّهُ خاصَّةً إذا كان يعاني من الضغط المرتفع، وقد شهدت حالات من هذا النوع كان آخرها أن تلاحن شخص مع أخيه بالهاتف حول الإرث بعد وفاة والدهما، فتجاوز الأخ الصغير حدوده في الحديث على أخيه الكبير الذي يعاني من الضغط، فأُصيب بجلطة دخل على إثرها في غيبوبة لم يفق منها إلى الآن؛ لذلك فإنَّ الواجب على كلِّ مَن ضغطه مرتفع أنْ يتجنَّب الغضب والزعل والتوتر؛ لأنَّه سريع الاشتعال، ووقوده الغضب، وهناك أساليب وتمارين ومناهج ودراسات تساعد سريع الاشتعال من تخفيف حدَّة الغضب، منها ما ذكرناه في السُّنَّة النبويَّة من تهدئة النفس بالوضوء، وذكر الله، وممارسة قراءة القرآن الكريم بتدبُّر، وتغيُّر الوضع، والاعتناء بالنفس بممارسة التربية الروحيَّة، والاعتناء بالجسم بممارسة الرياضة، كل ذلك وغيره يعمل على تخفيف حدَّة الجهاز العصبي من الضغوط، وتخفيف الجهاز الوعائي الدموي من التدفُّق وسرعة ضربات القلب.