لقد عاثت إسرائيلُ ومَن خلفَها، وأمامَها جيوش الغرب وقدراته العسكريَّة بغزَّة وأهلها، فقتلت وشرَّدت وتعدَّت في أعمالها كلَّ معاني الجرائم الجنائيَّة واللاإنسانيَّة، ولم يكنْ أمام أبناء غزَّة عمومًا، وشبابها ورجالاتها على وجه الخصوص، إلَّا أنْ يقاتلُوا الذينَ ظلمُوهم من الصَّهاينةِ؛ تحقيقًا لقولهِ تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، وأنْ يقدِّمُوا صورًا من العمليَّات الفدائيَّة دفاعًا عن دينهم، وعرضهم، وأرضهم؛ ممَّا قد أحدث في نفوس الأعداء تحسُّبًا للأمر، ومراجعةً وموافقةً على الهدنةِ، وليقولُوا للأعداءِ الصهاينةِ ومَنْ خلفَهم إنَّ الوطنَ العربيَّ ليس سهلَ الابتلاعِ، إذا كان هناك مواجهةٌ وقتالٌ.. فالشعوبُ المؤمنةُ بربِّها، الممتلئة قلوبُها بالإيمانِ والشَّجاعةِ قادرةٌ على صدِّ الظَّالم، وثورات الشعوبِ ضدَّ المُستعمِرِينَ والمُحتلِّين تصنعُ المعجزاتِ.. وما الثورةُ في الجزائرِ ضدَّ الفرنسيِّين عنَّا ببعيدٍ، وما قام به الفيتناميُّونَ من طردِ الأمريكانِ ليس عنَّا -كذلك- ببعيدٍ، ومع ما رافقَ ذلكَ من خسائرَ وأرواحٍ في غزَّة، إلَّا أنَّ ثورتَهم على العدوِّ، ومواجهتَهم، والنَّيلَ منهم سيضعُ حدًّا للتفكير في السَّيطرةِ على بقيَّة أرضِ فلسطين وما حولها.
في الوقت نفسه فإنَّ هناك دعمًا سياسيًّا ولوجستيًّا وماديًّا ومعنويًّا كبيرًا من بعض الدُّول الصَّادقة في دفاعها عن الحقِّ الفلسطينيِّ، والتي في مقدِّمتها الدُّول ذات المكانةِ العالميَّةِ والدوليَّةِ خاصَّةً دُول الخليجِ، ومن أبرزِها السعوديَّة، وكذا بقيَّة الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة التي تشتركُ في أهدافها ونوعيَّة متطلباتها، ويهمُّها أوَّلًا الوقوف أمام إسرائيل الصهيونيَّة التي تهدفُ لبسط نفوذها على المنطقة، ويهمُّها ثانيًا الحفاظ على ثبات مصالح شعوبها، واستمراريَّة تنميَّتها، ونمو عطاءاتها الحياتيَّة، ويهمُّها ثالثًا الحفاظ على لُحمتِها وما يربطهم ببعضٍ من وحدةِ الدِّينِ الإسلاميِّ الصحيحِ، ورابعًا تحقيق المصالح المشتركة التي سينتجُ عنه -بلا شكٍّ- تحسُّبًا في ذهنيَّة المُعتدي الإسرائيليِّ.
إنَّ مزيداً من التقاربِ والتخطيطِ بين الدولِ العربيةِ والإسلامية والإفريقية فيما تمَّ في السعودية في القممِ الثلاثِ يعدُّ منطلقاً من دولةٍ ذات مرتكزٍ دوليٍّ لدعم قضية غزة يمنحهم كدول حقَّ الاستفادةِ من أنظمة الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية وغيرهما؛ لأنَّ التحركَ العالميَّ بكلِّ أشكالِهِ يصنعُ تحدياً لإسرائيل، ومنْ خلفَ إسرائيل لتوقفَ المدَّ الغربيَّ المتصهينِ، ويرفع ذلك من القيمة المعنويَّة لدى شعوب المنطقة، التي هي رصيدُ تلك الحكومات، وداعمة مسيرتهم وتحدِّياتهم، وممَّا جعل السعوديَّة مرتكزًا دوليًّا، كذلك مبادراتها الأخيرة بإبرامها أربع اتِّفاقيَّات دوليَّة بـ150 مليون ريال؛ لإغاثةِ غزَّة وأهلِهَا، وذلك بالتَّعاون مع وكالةِ الأمم المتَّحدة، ومنظَّمة الصحَّة العالميَّة، واللَّجنة الدوليَّة للصليب الأحمر، وبرنامج الأغذية العالميِّ، فالأزمةُ في غزَّة إنسانيَّة بالدَّرجة الأولى، لذلك جاءت مبادراتُ السعوديَّة بالإضافة إلى جسرها التَّعاونيِّ والإمداديِّ ليصنعَ منها مرتكزًا دوليًّا يعالجُ الأزماتِ على مستوى دوليٍّ، من خلال منظَّمات دوليَّة ذات صلاحيَّات قويَّة في أعمال الإغاثة الإنسانيَّة والتحرُّكات السياسيَّة.
التعليقات