لا يملك جبران باسيل إلا معادلة «يا قاتل.. يا مقتول»، فهو ومصيره السياسي على كفّ عفريت التطورات الإقليمية والدولية، وأي دعسة ناقصة تطيح به وربما تشطبه من المعادلات.

لا خيارات لديه تسمح له بالمهادنة، وتحديداً بما يتعلق بقيادة الجيش. سيخسر كثيراً إن هو رضخ لما حمله الموفد الفرنسي جان إيف لودريان نيابة عن مجموعة الخمس بشأن تأجيل تسريح العماد جوزاف عون. وسيربح خصمه السياسي الحامل لواء تأجيل التسريح، فمجرد طرح تعويم القائد، يفتح الباب أمام احتمالات وصوله إلى قصر بعبدا بترتيب عربي- دولي في إطار الخيار الثالث.

لذا كان لا بدّ أن ينتفض جبران ويتمرّد على شبه الإجماع اللبناني والاجماع العربي والدولي، ويرفع الصوت في وجه لودريان، الذي لم يراع هواجسه، لينقل إليه توافق مجموعة الخمس على ضبط الوضع اللبناني من خلال تطبيق القرار 1701 والتمديد للعماد عون، ما يصيبه في الصميم، فكان ما كان من إحراقه لمراكبه، ولسان حاله يقول «هيهات منا الذلة»، فهو تعود من خلال مواقف مشابهة تتعلق بترتيبات الوضع اللبناني في اللحظات الحرجة، الابتزاز والمقايضة، ودائماً الحصول على حصة وازنة من الصفقات المحتملة من خلال التهديد بقلب الطاولة ونسف الاستقرار الهش للبلد.

وهي ليست المرة الأولى التي يشطح بها باسيل ويشل مؤسسة من مؤسسات الدولة. لطالما انتهج هذه السياسة، مستنداً إلى عمه، حامل شعار «لعيون الصهر». أمّا اليوم فالحمل كله على الصهر، والعم لم يعد باستطاعته تغيير المعادلات لمصلحته، فهو لم يعد حاجة للمحور الإيراني وممثله على الأراضي اللبنانية، قد تتم مراعاته من باب العرفان بالجميل ليس أكثر. لكنّ للتطورات المفصلية حديثاً آخر.

فهموم «حزب الله» ترتبط بهذه التطورات اليوم أكثر من أي وقت مضى، وتحديداً في ضوء حرب غزة المفتوحة، والإصرار الإسرائيلي للعودة إلى المعارك بعد فشل تمديد أيام الهدنة، ما يعني عودة التوتر إلى الحدود الجنوبية، وتحديداً مع مطالبة إسرائيل بتطبيق القرار 1701 من الجانب اللبناني، وأيضاً بمنطقة منزوعة السلاح، وإبعاد «قوة الرضوان» عن الشريط الحدودي كشرط إلزامي لعودة مستوطني الشمال إلى بيوتهم، وإلا... عملية عسكرية استباقية، ربما لا يريدها «الحزب» ومن خلفه إيران. وتدل على هذه الرغبة التوجهات لعدم تجاوز قواعد الاشتباك، وحتى التنازل عنها في بعض الأحيان تحت عنوان «ضبط النفس»، لتلافي ذرائع تؤدي إلى انفجار الجبهة الجنوبية وتوسعها.

لكن «الحزب» ومن خلفه إيران، ومعهما الموفدون العرب والدوليون، في وادٍ، وجبران باسيل في وادٍ آخر. فهو يعتبر أنّه أدى قسطه لمحور الممانعة، وبرر له نسف القرار 1701 وتوريط لبنان في احتمال الانزلاق إلى حرب شاملة.

بالتالي ليس عليه أن يبالي بالتطورات المتسارعة للحرب بين حكومة بنيامين نتنياهو وحركة «حماس»، ولا يهمه عدم نضوج أي مبادرة سياسية تؤدي إلى وقف لإطلاق النار والجلوس إلى طاولة مفاوضات، وبحث ما بعد «طوفان الأقصى» و»السيوف الحديدية»، ما يضع «حزب الله» في قائمة حسابات نتنياهو وحكومته إذا ما عادت الجبهات إلى سخونتها. وبمعزل عن قواعد الاشتباك وعن الحسابات الإيرانية لجهة التوصل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة.

فكل هذه العناوين المصيرية في المنطقة، لا توقف جبران ولا تلجم توجهه، كما عمه سابقاً، عن تخريب المؤسسة العسكرية، ما لم يجد من يقول له: «لوين يا جبران على مهلك؟» وبوسائل لا مراعاة فيها ولا ضبط نفس. اللهم إلا إذا كان المطلوب منه أن يشطح ولا يتمهل. عندها لكل حادث حديث...