قرأت خبر الاتفاق على الانتقال لمرحلة التنفيذ العملي لجسر البحرين – قطر كرجل أعمال، ومواطن، وقرأته أيضا كمفكر ومراقب، قرأته أنه رسالة من الخليج العربي للعالم كله مفادها: نحن نبني ولا نهدم، نتقدم ولا نتراجع، نزدهر ولا نتخلف، نوجه مواردنا نحو التنمية لا نستنزفها في الحروب.

رأيت الابتسامة والارتياح في وجه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم لدى استقبال جلالته رئيس وزراء دولة قطر وزير الخارجية، ثم اتصال جلالته بأمير قطر، وكذلك استقبال سمو ولي العهد رئيس الوزراء لرئيس وزراء دولة قطر وزير الخارجية، والأجواء الإيجابية التي سادت تلك اللقاءات، والتي تبشر بمزيد من الخير والرفاه للبلدين الشقيقين.
وأؤكد أن هذا الجسر هو درس لكل الدول والحكومات والقوى والأحزاب والجماعات التي تختار طريق الحرب والنزاعات بديلاً عن التنمية والازدهار، هو جسر محبة وصداقة، هو مشروع بنية تحتية عملاق لو فكرت إسرائيل في إقامة مثله للفلسطينيين بدل الجدار العازل لكان أفضل لها، لكانت حصنت نفسها بالاحترام والوئام، لا بالقتل والانتقام.
ماذا تنتظر إسرائيل من فتى فلسطيني لا مستقبل أمامه؟ فتح عيونه على الدنيا فلم يجد تعليمًا أو فرصة عمل لائقة؟ بل وجد نفسه محاصرًا في بقعة أرض صغيرة يعتريها الجوع والحرمان من أبسط مقومات الحياة. هل تتوقع منه أن يكبر ليكون مواطنًا صالحًا مسالمًا؟ طبعًا لا. بل ربما يفضل الموت الكريم على الحياة البائسة.
عندما سمعت عن جسر البحرين - قطر، تذكرت أنه كان هناك قبل أيام خبر حزين من السودان من جملة الأخبار الحزينة أيضا من هذا البلد العربي البائس، الخبر يقول إن جسرًا على نهر النيل هو شمبات الرابط بين مدينتي أمدرمان والخرطوم بحري تم تدميره، وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن ذلك بين طرفي الصراع. نهر الفرات في سورية أيضا شهد تدمير عدد من الجسور عليه، وكذلك نهر دجلة في العراق، وجميها جسور تاريخية جميلة، وبعضها بناه الاستعمار الفرنسي أو البريطاني.
هل ترون ماذا يفعل بعض أبناء الدول الفاشلة في أوطانهم؟! إنهم يدمرون بنيتها التحتية بدل أن يقوموا بصيانتها وإنشاء المزيد منها، ومن يدفع الثمن الأكبر في نهاية المطاف هم المواطنون والابرياء، الذين لا ناقة لهم ولا جمل، وينتظرون من ولاة أمورهم تقديم خدمات في الصحة والتعليم والإسكان وغيرها، لكنهم لا يقلون منهم إلا الموت والخراب والدمار.
إن جسر البحرين قطر يعيد اللحمة للعلاقات الأخوية بين دولتين شقيقتين، ولا ننسى أن العديد من العائلات البحرينية لها ارتباط عائلي في قطر والعكس صحيح، كما أن التاريخ مشترك، والمستقبل والمصير أيضا مشترك، ولدى البلدين طموحات كبيرة على صعيد التنمية والازدهار، ووجود هذا الجسر يسرع في تحقيقها.
الجسر المنشود يربط البحرين وقطر، ومن ينظر إلى خريطة الخليج العربي يذهب بطموح أعلى، طموح جسور أخرى بين كل دول الخليج المطلة على الخليج العربي وبحر العرب، تختصر الطريق البري بينها، وتسهم في تعزيز ارتباطها التاريخي والحضاري والاجتماعي والاقتصادي والتنموي.
ولقد اطلعت عبر الصحف ومن خلال الأونلاين على بعض النماذج المقترحة لهذا الجسر، ويا له من مشروع عصري حضاري جميل، وتحفة معمارية، وأنا واثق أن هذه المخططات ستتطور على أرض الواقع وتصبح أجمل، ربما يصبح الجسر بذاته معلما سياحيا جاذبا للزوار.
والتقديرات تشير إلى أن إنشاء الجسر يتطلب 50 شهرًا لمسار المركبات، ونحو 70 شهرًا لمسار القطار، ومن المزمع أن يكون الجسر أطول جسر بحري في العالم بطول 40 كيلومترًا، ومن المتوقع أن يصل عدد المركبات التي تمر على الجسر بعد إنجازه إلى 4 آلاف مركبة يومًا وستبلغ في العام الذي يليه 5 آلاف مركبة ليصل بذلك المجموع المتوقع لمرور المركبات على الجسر بعد الانتهاء منه لـ12 ألف مركبة بحلول العام 2050، وسيختصر الجسر مسافة الرحلة بين البلدين لـ30 دقيقة فقط.
وأنا أؤيد كل التحليلات التي أكدت أهمية هذا الجسر في زيادة الحركة التجارية والمسافرين وجذب الاستثمارات البينية والعالمية، وتعزيز دور مشروع سكك الحديد الخليجية، ما يساهم في جعل دول الخليج أكثر ارتباطًا من النواحي الاقتصادية والاستثمارية والسياحية والتجارية، واختصار تنقل المركبات في وقت قياسي وبمسافة أقصر خاصة لمن لديهم صلات قرابة ونسب بين العائلات البحرينية والقطرية خاصة، وبين الدول الخليجية عامة.
ومن المتوقع أن يسهم الجسر في تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين وينعكس إيجابًا على جميع القطاعات الاقتصادية والتجارية ويسهم في خلق المزيد من فرص الأعمال للشركات البحرينية فضلاً عن انعكاساته الإيجابية على الأعمال والاقتصاد في قطر. وسيسهم الجسر المرتقب أيضًا في تسهيل حركة البضائع والركاب بين البلدين، ما يقلل من تكاليف النقل ويزيد من كفاءة اللوجستيات، خاصة أنه من المنتظر ألا يكون الجسر طريقًا بريًا فقط، بل يتم تجهيزه بسكة حديد، وربما أنابيب لنقل الطاقة، وغيرها.
ربما يكون تنفيذ الجسر عبر ائتلاف من الشركات العالمية الكبرى المتخصصة في مجال البنية التحتية، خاصة أن مؤسسة جسر البحرين - قطر قطعت شوطًا طويلًا وخطوات متقدمة في فترات سابقة على صعيد إعداد التصاميم الأولية، وتفاصيل إنشاء الجسر وإدارته، وتحديد المعايير والاشتراطات البيئية، وغيرها من الجوانب، المهم أن يتم التنفيذ دون تأخير.
قيادتنا الرشيدة دعمت هذا المشروع الطموح منذ البداية لأهميته الكبيرة للبلدين وذلك منذ إعلان تدشينه وتوقيع مذكرة التفاهم الخاصة بإنشائه في عام 2005 وبموجب هذه المذكرة يفترض أن يتم تنفيذ هذا الجسر على مراحل لاستثماره بالشكل الذي يعود بالخير على البلدين الشقيقين، وإذا كان هذا المشروع قد تعثر في البداية فإن الأمل عاد وبقوة للإسراع في تنفيذ هذا المشروع بالصورة التي تقود بالنفع والفائدة على الجميع.
لقد كنت شاهد عيان على النهضة التي أحدثها افتتاح جسر الملك فهد العام 1986 في البحرين، عندما انفتحت رئتيها على العالم كما لم يحدث من قبل، وازدهرت كما لم تزدهر من قبل، والآن، أرجو وأترقب بفارغ الصبر بدء الأعمال الإنشائية لجسر البحرين - قطر، الجسر الذي سينقل البحرين بمشيئة الله إلى مرحلة جديدة من الازدهار السياحي والصناعي والتجاري