انعقد في دولة الإمارات العربيّة المتحدة ،عشية الإحتفال بالذكرى الـ52 لقيامها، مؤتمر المناخ الدولي 28 COP. كان المؤتمر الذي استضافته دبيّ مناسبة كي يتأكّد مرّة أخرى الدور الذي تلعبه الإمارات في تعزيز الاستقرار في عالم يحتاج أول ما يحتاج إلى الحكمة والتعقّل والبحث عن حلول.

ليست الذكرى الـ52 لقيام دولة الامارات العربيّة المتحدة في الثاني من كانون الاوّل (ديسمبر) 1971 مناسبة للحديث عن النجاحات التي حققتها هذه الدولة الشابة، بمقدار ما ان المناسبة تصلح لطرح أسئلة عن أسباب هذه النجاحات. النجاحات أمر مفروغ منه، وقد تحقّقت في فترة قياسية نظراً الى أنّ 52 عاماً ليست شيئاً في مفهوم عمر الدول.

هذه دولة تفكّر بفضل قيادتها بالسنوات الخمسين المقبلة وما بعدها. دولة مرتبطة بالمستقبل بدل أن تكون أسيرة الماضي وعقده والشعارات الفارغة التي خدعت المواطن العربي في القرن العشرين. باختصار شديد. الإمارات دولة تعيش في القرن الواحد والعشرين في ظلّ الثورة التكنولوجية التي تؤسس للمستقبل والتي تحمي من السقوط في متاهات من النوع المضحك المبكي ما زالت تتحكّم بالمتاجرين بالقضيّة الفلسطينية، على سبيل المثال وليس الحصر.

ليس COP 28 سوى دليل على تطلع الإمارات إلى المستقبل في منطقة مصرّة على الإنتماء إلى الماضي. يعبّر الخطاب الذي ألقاه الشيخ محمّد بن زايد رئيس دولة الإمارات في افتتاح مؤتمر COP 28 عن مدى الهوة الشاسعة التي تفرّق بين عالمين مختلفين. عالم السقوط في فخّ الإنتماء إلى ماض بائد ومتخلّف في الوقت ذاته من جهة وعالم البحث عن الانتماء إلى المستقبل من جهة أخرى. ليس إعلان رئيس دولة الإمارات عن انشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار لمعالجة أزمة المناخ سوى دليل على جدّية الإمارات في لعب دور محوري في مواجهة هذه الأزمة التي يعاني منها العالم. ليس سرّا أن الإمارات باشرت قبل عشرين عاما في البحث عن حلول لأزمة المناخ. كان ذلك عبر تطوير مصادر الطاقة النظيفة مع تركيز خاص على الطاقة الشمسية. أكثر من ذلك، باشر الشيخ زايد، كمؤسس الدولة، منذ ما يزيد على نصف قرن في تحويل ما كان صحراء إلى منطقة خضراء...

ثمّة عوامل عدّة تساعد في فهم الأسباب التي جعلت النجاحات الإماراتية من باب تحصيل الحاصل. يأتي في مقدّم هذه العوامل الاستثمار في الانسان. منذ اليوم الاوّل لقيام الدولة، ركّز الشيخ زايد بن سلطان على الانسان وعلى المصالح المشتركة التي تربط بين الامارات السبع التي تتألّف منها دولة الامارات. أوجدت هذه المصالح روابط متينة بين الامارات السبع وبين مواطني الامارات والمقيمين فيها. كذلك، ركّز الشيخ زايد على التعليم وعلى قيم معيّنة في مقدمّها ثقافة التسامح والاعتراف بالآخر. لذلك، يقيم في الامارات أناس من 200 جنسية في بلد يتمتع بالأمان والاستقرار من دون تمييز بين انسان وآخر. باختصار شديد، ما زال الشيخ زايد الذي حوّل الامارات الى ارض خضراء. ما زال أبناؤه يسيرون على نهجه. يندرج انعقاد مؤتمر COP 28 في السياق ذاته. إنّه سياق بدأ بتحويل الإمارات إلى أرض خضراء كما شاء الشيخ زايد، رحمه الله.

ثمة زوايا لا تحصى يمكن الانطلاق منها لابراز اهمّية مؤسّس دولة الامارات، بصفته شخصيّة استثنائية لن تتكرر في المنطقة. فقد رعا الشيخ زايد "المشروع التحديثي النهضوي وانجزه في تلك الدولة بالارتكاز على ثلاثة أسس كبرى هي: بناء الانسان وتأهيله لدوره في المجتمع من خلال التعليم الرصين والاعداد السليم والتربية الهادفة، وانشاء بنية تحتية متكاملة وقويّة من شأنها ان تكون قاعدة متينة لمجهود تنموي شامل، وتحديث الهياكل المجتمعيّة والمؤسّسية للدولة".

خاض الشيخ زايد معارك كثيرة، بما في ذلك معركة قيام دولة الامارات، بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة. استخدم "القوّة الناعمة" من أجل خدمة بلده وتوحيده أوّلا في ظروف إقليميّة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها كانت صعبة ومعقّدة.

ليس سرّاً أنّ الأرقام تتكلم عن نفسها وعن النجاح الاماراتي الذي وضع اسسه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي آمن بمشروع دولة الامارات وحوله الى واقع. من بين ما تقوله الأرقام انّ اقتصاد الامارات من بين اهم ثلاثين اقتصاداً في العالم.

تحوّلت الامارات السبع الى دولة حقيقية تتطلّع الى المستقبل. تتطلّع الى المستقبل، بفضل الأسس التي وضعها الشيخ زايد. تتطلّع الى السنوات الخمسين المقبلة. هذه دولة متصالحة مع نفسها ومع مواطنيها ومع من يعيش على ارضها من دون تفرقة أو تمييز من أيّ نوع. هذه دولة تفكّر في مرحلة ما بعد النفط والمحافظة على البيئة ونظافتها بدل البقاء في أسر الماضي وعقده. هذه دولة نفطيّة تطور الطاقة الشمسية التي ستصبح مادة قابلة للتصدير مستقبلاً!

لا شيء ينجح مثل النجاح. أسباب النجاح الاماراتي واضحة. يظلّ ان من بين أهمّ هذه الأسباب القدرة على الاخذ والردّ ومراجعة الذات والرهان على أن السياسة تعني، قبل أي شيء، آخر القدرة على التكيّف مع الواقع والتعايش معه متى دعت إلى ذلك الحاجة والظروف والتحديات اليوميّة... التي بينها أزمة المناخ التي تحتاج إلى حلول وليس إلى مزيد من التعقيدات...