عندما تتعاظم المشكلات من أي نوعٍ كان، يقول علماء الإنسانيات: إننا بلغنا مرحلة الأزمة الأخلاقية! وهذا هو بالفعل الحدّ الذي بلغته متغيرات البيئة والمناخ في البر والبحر والجو. ولذا فإنّ مؤتمر المناخ «كوب 28»، المنعقد بالإمارات، إنما يتصدى لمشكلاتٍ متراكمة، ووجوه إنكار وإهمال عدة.

ولدى الإمارات خطةٌ عرضت تفاصيلها ووجوهها وأبعادها عبر عدة أسابيع بعد إعداد طويل. ولذا، ومن دون تجاهل للصعوبات، يمكن القول انطلاقاً من الواقعية والقدرة على الإقناع والإنجاز من جهة، والاستجابة من جانب الأطراف الكبرى من جهة ثانية، إنّ نتائج المؤتمر هذه المرة، ستكون مؤثرةً أكثر بكثير بالنظر للاحتضان الكبير لهذا المؤتمر من جانب دولة الإمارات.

ولننظر للأمر من جهة غير متوقَّعة، لكنّ الإدارة الإماراتية توقعتها واستخدمتها لاستكمال الإنجاز. ويتمثل ذلك في الدور الأخلاقي والإصلاحي والتضامني للدين.

فقد كان هناك توقيع (عن بُعد) لوثيقة بشأن المناخ بين البابا وشيخ الأزهر. ثم إنّ العلاّمة بن بيه في منتدى أبوظبي للسلم استقبل عشرات المشاركين بالمناسبة من الكنائس الإنجيلية الأميركية. وفي كلمته التي ذكّرت بميثاق حلف الفضول الجديد (2019) نظر إلى أمرين: رؤية القرآن الكريم لمسائل وقضايا الفساد المادي والمعنوي على الأرض، والواجبات الإيمانية والأخلاقية لأهل الدين في الحفاظ على سلامة العالَم وسبل العيش فيه.

فلجانب الرؤية القرآنية هناك إدانةٌ للفساد والإفساد والمفسدين في ستين موطناً في القرآن الكريم، أشهرها قوله تعالى: «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس» (سورة الروم: 41)، وقوله: «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها» (سورة الأعراف: 56).

والفساد في القرآن يتناول نشر الفتن والشائعات وتفرقة المجتمعات والتشكيك في دعوات الإصلاح، لكنه يتناول أيضاً الجانب المادي والإساءة للطبيعة وانتهاك سلامة الإنسان والعمران. فالكون موزونٌ ومتوازن، ويخضع لقوانين صارمة من أجل انتظام الوظائف والتوقعات: «والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار، وكلٌّ في فلكٍ يسبحون» (سورة يس: 38-40).

فالتخريب الذي يحدِثه المفسدون بقصدٍ أو بغير قصد ويتمادون فيه، وإن يكن جزئياً، ينعكس مع التمادي وطول المدة على النظام العام والاتّساق الدقيق للكون والعالَم. والقرآن واضحٌ في أنّ ذلك تمكن مكافحته بمقاومة الفساد والمفسدين، كما تمكن إعادة الأمور إلى طبيعتها بمشروعات الإصلاح الكبرى.

أما الأمر الآخر الذي طالب به العلاّمة بن بيه فهو الالتفات من جانب أهل الأديان إلى المسؤولية الدينية والأخلاقية في الحفاظ على سلامة العمران والإنسان.. فهؤلاء هم الفئة أو الفئات التي يسميها «أولو البقية» بحسب القرآن الكريم. وأولو البقية هم نُخَب الحفاظ على السلم والسلامة ورشد الإنسانية والحكمة في التعرف على المآلات ومراعاتها. لا ينبغي الاكتفاء بالإعلانات وإبداء النوايا الحسنة، بل ينبغي تجاوز ذلك إلى القيام بمشروعات مشتركة، وبالتشارك في برامج تربوية، لأنّ هناك مخاطر متغيرات أخلاقية واسعة لا ينبغي التسليم بها من جانبنا نحن أهل الحكمة والأخلاق والمسؤولية الإيمانية.

إنّ شعار الأمم المتحدة المشهور يتبنى التنمية والاستدامة أو التنمية المستدامة. ولا تنمية ممكنة، وبالتالي لا استدامة، إلاّ بحصول الإصلاح الجذري على مستوى العالَم، والذي خطَّطت له دولة الإمارات في «كوب 28»، ومع الأمل الكبير تأتي المتابعة عن كثب في صناعة الحاضر الصلب والمستقبل النظيف.

يقول المؤرخ «ف. كار» إنّ التاريخ حوارٌ بين الماضي والحاضر والمستقبل. وأولو البقية، أو نُخَب الحكمة والبصيرة، ينظرون إلى الماضي القريب في كثرة مآزقه نظرة سلبية أو نقدية على أقلّ تقدير. ولذا فالحوار معه في الحاضر هو حوارٌ نقديٌّ من أجل الإصلاح الضروري الذي يصنع مستقبلاً واعداً.