ليس من الأمانة أن نودع عامًا ونستقبل آخر دون النظر في مآلات الأحداث التي شهدناها في المنطقة، وطرح مجموعة من التساؤلات التي ممكن أن تكشف لنا صور الأيام القادمة، هل حال العالم اليوم أفضل من الأيام التي سبقت الحرب العالمية الأولى والثانية؟ هل يشهد العالم حالة من الأمن والاستقرار أم أن الحروب والصراعات في كل مكان وبكل الوسائل، السياسية والاقتصادية والعسكرية؟ هل استطعنا من نشر العلم ومحاربة الجهل والفقر؟ والإجابة على تلك التساؤلات وغيرها واضحة للعيان حين نرى الحروب والصراعات والتهجير البشري في ظل صمت دولي تشهده منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان؟!.

في الأعوام السابقة كانت الأعمال العنيفة بالمنطقة صادرة عن جماعات ومليشيات وتنظيمات تم وصمها بالجماعات الإرهابية، وإدراجها على قائمة الإرهاب العالمي، أما في العام 2023 فقد سقطت دول كبرى - لديها حصانة الفيتو - في ذلك المستنقع مما جعل العالم على حافة حرب عالمية ثالثة، ولا يزال شرر تلك الحروب يتطاير في كل مكان، والغريب أن الكثير من الدول ترى ذلك دون أن تحرك ساكنًا، ولعل ما يجري هذه الأيام في غزة بفلسطين لأكبر شاهد على الصورة الكئيبة التي تعيشها البشرية.

الصورة البشعة التي اختتم بها العام 2023 جاءت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بعد أن ضرب برج التجارة الدولية بالولايات المتحدة، فخرجت علينا جماعات إرهابية متطرفة، وتكاثرت، القاعدة، داعش، حزب الله، الحشد الشعبي، وجماعة الحوثي التي تعتبر اليوم هي الأخطر على الملاحة الدولية، وجميع تلك الجماعات مدعومة بطريقة مباشرة وصريحة من النظام الإيراني، ويا لسخرية القدر حين تحارب إيران دول المنطقة بأيدي أبنائها!!.

مع كل الصراعات والحروب التي شهدتها المنطقة إلا أن خطر الصراع الطائفي الذي يتم الإعداد له بلا شك هو الأخطر، فوسائل التواصل الاجتماعي اليوم تحاول تشطير الشعوب العربية إلى جماعات طائفية، مستندة على أحداث تاريخية قديمة، شعارها (قميص عثمان)، وهي تهيئة عبر العالم الافتراضي، فالطائفية والخطاب المؤدلج عبر وسائل التواصل هي ظاهرة جديدة لتغير هوية أبناء المنطقة، فالكثير من الرسائل والفيديوهات المنتشرة بالفضاء المفتوح هي بنفس طائفي مقيت.

العام 2023 في آخر أيامه كان مؤلمًا وفاضحًا، مؤلمًا لما شاهدته البشرية من عدوان وتجهير لأخوتنا في غزة، وفاضحًا لسكوت البشرية عما يجري في غزة، فمهما كانت الأسباب إلا أن الحرب بدرجة الإبادة الجماعية هي شيء لا يتحمله العقل ولا الضمير، ولا تزال حرب الإبادة في غزة مستمرة رغم المناشدات الدولية بوقف الحرب والدعوة للحوار، والخوف من العام 2024 أن تستمر الحرب على الشعب الفلسطيني، وأن يتم تهويد القدس الشريف، وجماعة الحوثي تقوم بغلق باب المندب للأضرار بمصالح الدول المطلة على البحر الأحمر، وأن يستمر الاحتلال الإيراني للعواصم العربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

مع صوت الرصاص والمدافع يخبو صوت دعاة السلام والتعايش والتسامح، وهذا ما ينشده المتطرفون في العالم، نأمل أن يكون العام الجديد عام أمن واستقرار، عام أمل وتفاؤل، لا عام ألم ويأس، وأن يساهم دعاة السلام في تعزيز الحضارة الإنسانية بنشر قيم التعاون والعمل المشترك.