في البرامج التليفزيونية والمواقع والمدونات الإلكترونية العربية والعالمية وفي معظم برامج وسائل التواصل الاجتماعي صارت هناك فقرات شبه ثابتة في بدايات كل عام ميلادي جديد، وكلها تدعي قدرتها على توقع الأحداث والتنبؤ بها.
طبعاً «كذب المنجمون ولو صدقوا»، وبالتالي فمن المهم أن يدرك عموم الناس أن غالبية من يقولون إنهم قادرون على قراءة المستقبل مدعون يسعون إلى الشهرة بكل ثمن، وهناك قلة صغيرة جداً متخصصة في علم الفلك، وهناك فارق كبير بين علم الفلك والنجوم، وبين التنجيم والادعاء بالقدرة على قراءة المستقبل.
ومن سوء الحظ أن عدداً كبيراً من الشباب يتابع هؤلاء المدعين اعتقاداً فعلاً أنهم قادرون على قراءة المستقبل والتنبؤ بالأحداث.
وتطبيقاً فعلاً لمقولة «كذب المنجمون ولو صدقوا» فإن هناك بعض المدعين الذين يتوقعون وقائع محددة وتحدث فعلاً، ولكن رغم ذلك فهي مجرد «خبط عشواء» كما يقولون.
الأمر يشبه أحياناً من يتنبأ بنتيجة مباراة في كرة القدم فيقول إنها محصورة في ثلاثة احتمالات وهي الفوز أو الهزيمة أو التعادل!! وبالتالي حينما يحدث ويتحقق التوقع، يبدأ بعض الناس التعامل معه باعتباره قارئاً جيداً للمستقبل!
رأينا في السنوات الأخيرة عينة من هؤلاء تخرج على الناس بداية كل عام جديد لتقول إنها تتوقع وفاة هذا الفنان أو تلك الشخصية، وطلاق هذا المطرب أو المطربة، أو صدام بين لاعب كرة مشهور وناديه.
السؤال هو: هل نلوم هؤلاء المدعين لأنهم يبحثون عن الشهرة وجلب الأموال بكل الطرق أم نلوم من يتابعهم ويصدقهم؟
أظن أن المشكلة الكبرى فيمن يفتح لهم أبواب وسائل الإعلام. وحينما تمر الأيام ولا تتحقق غالبية هذه التوقعات ينسى الناس كل ذلك، لكنهم يستمرون في الاستماع إليهم مرة أخرى حينما يأتي العام الجديد وهكذا، بل إن هناك بعض الناس يسافرون جواً لمسافات طويلة بحثاً عن هؤلاء المدعين، وشاهدنا شخصيات عامة كثيرة تستعين ببعض هؤلاء المدعين من أجل التنبؤ بنتيجة مباراة، أو إبطال ما يقال إنه سحر أو «فك عمل» أو «استعادة ود الحبيب» ويحصلون على أموال طائلة نظير ذلك!!
الغريب أنه كان من المفترض أن يؤدي انتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى توجيه ضربة قاضية لهؤلاء المدعين، لكن المفارقة أن هذه الوسائل لعبت دوراً كبيراً في انتشارهم وجعلت لهم قاعدة كبيرة من المتابعين، الأمر الذي يفاقم الظاهرة ولا يقضي عليها.
لكن وحتى لا نعمم فهناك دارسون لعلم الفلك ومتخصصون فيه، وهؤلاء قلة ولا يمكن مقارنتهم بالمدعين، المتخصصون قضوا وقتاً طويلاً في تعلم القراءة الجادة لحركة النجوم والكواكب وانعاكسها على حياة الناس.
وطبقاً للتعريف العلمي فإن عِلْمُ الفَلَك هو علم طبيعي يدرس الظواهر الفلكية ويستخدم الرياضيات والفيزياء والكيمياء لشرح أصل وتطور تلك الظواهر والأجرام. وتشمل الأجرام المثيرة للاهتمام الكواكب والأقمار والنجوم والسدم والمجرات والمذنبات. وتشمل الظواهر ذات الصلة انفجارات المستعر الأعظم، انفجارات أشعة جاما، والنجوم الزائفة، والنجوم الزائفة المتوهجة، والنجوم النابضة، وإشعاع الخلفية الكونية الميكروي.
وبشكل عام، يدرس علم الفلك كل ما ينشأ خارج الغلاف الجوي للأرض. وعلم الكون فرع من فروع علم الفلك ويدرس الفضاء الكوني ككل.
في العصور القديمة كان علم الفلك والتنجيم يعاملان كعلمٍ واحد، لكنهما انفصلا تدريجياً وصارا علمين منفصلين حتى القرن السابع عشر أي في عصر التنوير تحديداً، عندما تم رفض اعتبار التنجيم كعلم. وخلال الجزء الأخير من فترة العصور الوسطى، أصبح علم الفلك هو الأساس وأصبح علم التنجيم يعمل من خلاله.
ومنذ القرن الثامن عشر، أصبحا يعاملان بصفتهما اختصاصين منفصلين. علم الفلك، أي دراسة الأجرام والظواهر التي تنشأ خارج الغلاف الجوي للأرض، وهو علم وأصبح على نطاق واسع من ضمن الانضباط الأكاديمي. أما التنجيم، والذي يستخدم المواقع الظاهرة للأجرام السماوية للتنبؤ بالأحداث المستقبلية، فهو شكل من أشكال العرافة وليس سوى أحد العلوم الزائفة طبقاً لموقع ويكبيديا.
وبين المنجمين وعلماء الفلك هناك المحللون العلميون الذين ليس لهم في قراءة الأبراج، بل يقرأون الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويحاولون توقع المستقبل من خلال قراءة شواهد ووقائع ومؤشرات بشأن قضايا محددة وإمكانية تطورها في المستقبل. نتمنى أن ينتبه الجمهور في الدول العربية المختلفة، ويدرك الفارق الكبير بين المدعين وعلماء الفلك وبين المحللين والمراقبين للأحداث.
التعليقات