قال الله تعالى في سورة الكهف (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)، كما قال تعالى في سورة الأنفال (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ). [الأنفال: 28]، ذَكَرَ الله تعالى المال في آياتٍ عديدة بل وقّدم المال على الأبناء، وذلك لمعرفته ببواطن الإنسان وحبه للمال سواء كان صغيراً أو كبيراً ومهماً كانت مكانته الاجتماعية والعملية، وخُلقَ الإنسان على حب المال والرغبة في اقتناء كل ما له علاقة بالمال كالعقارات والسيارات والهدايا، وارتبطت الحياة بالمال فيصعب العيش بدونه، ولا يمكننا الاستمتاع فيها إلاّ بتوفر المال الذي يوفر لنا الحياة الكريمة والعلاج وسد الاحتياجات الأساسية والكمالية، وتبدأ حياة الفرد منّا منذ الصغر مرتبطة بالعطاء وتوفر المال، ونجد أن الطفل ينشأ محباً للهدايا والألعاب التي تُشترى بالمال، وعندما يكبر يبدأ في تجميع المال من مصروفه ليشتري ما يخطط له، وعندما يتوظف فإن سعيه لاختيار الوظيفة يكون المال أولاً ومن ثم تحقيق الذات والطموح وخدمة المجتمع وهكذا فإن المال هو محور دورة الحياة منذ الصغر إلى الوفاة.

طرق الحصول على المال متنوعة ومتعددة، وفي زمننا الحالي بكل سهولة ويسر ممكن توفير المال ذلك لتنوع المشاريع وانفتاح السوق خاصة التجارة الإلكترونية والتي تحتاج إلى تخطيط سليم وربما ذكاء تجاري، كما أن الوظائف توفر المال ولكن من يسعى لتكوين ثروة يحتاج إلى مشاريع خاصة تساعده على تحقيق أحلامه وتوفير الحياة المرفهة التي يحتاجها، وطالما أن المشاريع كانت مشاريع تجارية نظيفة فلا غبار على التوسع في المشاريع وتجربتها وإن لم تنجح منذ البداية، فالتجربة تجعل الشخص أكثر خبرة ووعيا ويعرف ما يناسبه أكثر.

ولكن الإشكالية تَكمن في الطرق غير المشروعة في الحصول على المال، والتي قد تكون سهلة بالنسبة للبعض رغم عَواقبها الكبيرة فنجد البعض لا يرفض الرشاوى التي قد يحصل عليها تحت مسمى الهدايا في العمل لتسهيل بعض المعاملات، كما أن البعض يضع شروطاً مادية مضاعفة لتخليص بعض الخدمات، ناهيك عن بعض التجار الذين يحتكرون السلع ويرفعون الأسعار على عامة الشعب، ناهيك عن من يمد يده على المال العام ويسرق بحجة توفر المال أو يكافئ نفسه وأصدقاءه من هذا المال، والبعض لا يجد ضيرا في أكل مال الأيتام أو الاستيلاء على أموال الورثة وإن كانوا اخوانه، ومؤخراً انتشر غسل الأموال الذي استسهل كثير التعامل به لما يكّونه من ثراء في النهاية يصب في المال الحرام، طرق متنوعة لا حصر لها يمكن من خلالها تكّوين ثروة واللعب بالأموال المشبوهة والحرام والتي سيأتي يوماً وتنقلب تلك النعمة لنقمة فالمال الحرام لا يدوم، وقد حذرَ الله تعالى منه وتَوعدَ بعقاب كبير لكل من يأكل من مال حرام.

من أصعب الأمور التي يواجهها الإنسان جهاد النفس ومقاومة الرغبات وهو أكثر ما دعانا إليه الله تعالى، وحب المال والجاه فطرة موجودة في كل البشرية ولكنها تختلف من شخص لآخر بناء على مبادئه وقيّمه وخوفه من الله، فهناك من يضع رضا الله بين عينيه في كل التعاملات ويُطهّر أمواله أولا بأول ولا يقبل على نفسه الأموال المشبوهة، وعلى العكس تماماً يعيش البعض على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ويضع لنفسه المبررات في قبول المال الحرام والعمل فيه ولا يخشى الله بل ويتفنن في الحصول على تلك الأموال المشبوهة والتي مهما زادت فإنها تكون بلا بركة وقد يخسرها الشخص في لحظة لأنها لم تكن طاهرة ولم تكن بجهده وإخلاصه وصفاء نيته بل كانت بناء على أعمال وخدمات تصبُ في كل أشكال الفساد.

قد يكون الطريق للحصول على الأموال الحرام سهلاً ومفروشاً بالورود، ولكن نهايته في الدنيا والآخرة لن تترك مجالاً حتى للندم فسيكون عقاب الله كبيراً وأعوذ بالله من سخط الله.

فكر لحظة قبل أن تقبل مشروعاً مشروطاً أو هدية مقابل خدمات مشبوهة أو قبل الحصول على أموال لا تعرف مصدرها بشكل واضح، فقد يكون المال مغرياً ولكن ستدور الأيام وسيكون العقاب مؤذياً.