هل تفكّرت مليّاً في تركيبة الاتحاد الأوروبي؟ معجزة. تخيّل منتدىً لممثلي دوله السبع والعشرين، ولغاتهم الأربع والعشرين، لكن من دون ترجمات آنيّة. افتتح مدير الملتقى الجلسة بكلمة في ثلاث دقائق، فاحتاج نقلها إلى الألسنة الأخرى إلى اثنتين وسبعين دقيقةً، عدا الفواصل بين الترجمات. ثم ألقى كل ممثل كلمة بلده فاستمرّ الاجتماع حتى المساء والسهرة.

أليست معجزة أن تستطيع تلك الدول، بفضل إعمال العقل في ما يجمع لا في ما يفرّق أن تبني اتحاداً صار له جواز واحد، عملة واحدة، سياسة خارجية متناغمة، برلمان متوافق، دفاع مشترك، فالواحد في الكل والكل في الواحد؟ أمّا الدفاع فقصة عجيبة، متاهةٌ في الفهم والتحليل، فالاتحاد الأوروبي شيء، وحلف الشمال الأطلسي شيء آخر، ولكنهما يتقاطعان ويتسايران وتتلاحم الجموع في الملمّات.

في «الناتو» إحدى وثلاثون دولةً، بعضها مثل الجملة الاعتراضية لا محلّ لها من الإعراب، وإلاّ فما وزن لوكسمبورغ، لاتفيا، الجبل الأسود، قياساً على الولايات المتحدة، لكن الأخيرة ترى أحياناً العنصر المجهري مثل ميكرونيزيا غنيمة. تنوع التحالفات بلا حدود، ففي الشدائد تنضمّ اليابان، أستراليا، نيوزيلندا...

لقد كان المراقبون في جميع أنحاء العالم مغيّبين عن المحرك الأساسي للوقائع الجيوسياسية الجيوستراتيجية، توهّموا أن ذلك الممثل الأوكراني هو خريدة القصر، وأنه هو مانشيت جريدة العصر، فقد بنى البيت الأبيض عليه أحلام قصقصة أجنحة روسيا، تمهيداً لتفتيت الاتحاد الروسي، لمحاصرة التنين في النهاية، وهي الحميّا الاستراتيجية التي عتّقها برجنسكي في دنان أوهامه، التي لم تكن سوى جرّة عسل، وما كل مرّة تسلم الجرة، وهذا ما جرّهُ عليهم الجشع، فحين صاحت المحظيّة: واواشنطنّاه! قيل لأوكرانيا: كنتِ واسطة العِقد، وما أنت الآن سوى حصاة.
ويل لليراع من الضياع، فقد كانت التحويلة المناسبة بعد ذكر الملتقى الأوروبي، إذ الجادة الواضحة هي قيام الاتحاد الأوروبي على أربع وعشرين لغة، بينما العرب بلغة عربية مبينة، يحفظها القرآن، وبسلسلة عروتها وُثقى في ميادين لا تحصى، لم يدَعوا بدعةً في الطرح والقسمة إلاّ وقعوا في فخاخها، التي نُصبت لهم جهاراً نهاراً.
لزوم ما يلزم. النتيجة القياسيّة: الصين لم تكن سنة 1949 تملك حتى 10% من إمكانات العرب. كيف كان العرب ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي اليوم، لو نهض الفينيق العربي نهضة التنين؟