بعد مئة يوم على بدء الحرب في غزة، وفي اطلالته الخامسة، لم يشذ خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يوم أمس عن خطبه السابقة. فهو بدا مرة جديدة غير مبالٍ بالرأي العام اللبناني الواسع الذي كان ولا يزال يؤيد حقوق الشعب الفلسطيني، ويدعم أهل غزة الذين يتعرضون لأقسى الحروب الإسرائيلية وأكثرها دموية، لكنه في الوقت عينه يرفض توريط لبنان في حرب تتجاوز طاقته وتكون ترجمة لوظيفة "حزب الله" الإقليمية التي تعتبر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين أنها فرضت على لبنان واللبنانيين بالإكراه والترهيب.
كان نصرالله مهتماً بالمحافظة على الوضع كما هو بين قواته والجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، أي مواصلة حرب الاستنزاف التي يخوضها منذ 99 يوماً. طبعاً لم يتحدث عن نصرالله كثيراً عن التسويات التي طرحها الأميركيون في سياق البحث عن مغريات لوقف التدهور العسكري بين حزبه وإسرائيل. تحدث نصرالله وفقاً للأجندة الإيرانية التي تتحرك بموجبها فصائلها في الإقليم من العراق الى سوريا واليمن، ومضمونها ضرورة تسخين الجبهات مع اسرائيل والأميركيين وفق ظروف كل ساحة وتجنب التورط في حرب شاملة قد تقضي على أحد الفصائل في إحدى الساحات.
بالنسبة الى الساحة اللبنانية، من الواضح أن "حزب الله" لا يريد خوض حرب شاملة مع إسرائيل. ولذلك يتعرض لخسائر فادحة في صفوفه، ويعرض القرى المتاخمة للحدود لضربات قوية جداً يوجهها اليها الطيران الإسرائيلي، ومع ذلك يمتنع "حزب الله" عن خرق الخط الأحمر مع إسرائيل. لكن حرب الاستنزاف التي يديرها منذ 99 يوماً بدأت تتدحرج وتقترب كثيراً من عتبة الحرب الشاملة، ولا سيما ان إسرائيل التي فهمت ومعها الولايات المتحدة أن قرار محور "الممانعة" يقضي بمواصلة الضغط على الجبهات وربط وقف الضغط بوقف لإطلاق النار في قطاع غزة، تؤثر خوض حرب شاملة لتغيير الواقع المفروض عليها منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) على حدودها الشمالية. وقد فشلت جميع المحاولات التي قامت بها الإدارة الأميركية في لبنان من أجل حمل "حزب الله" على التراجع عن حرب الاستنزاف التي يخوضها انطلاقاً من الجنوب اللبناني. لا بل إن موقف "حزب الله" استمر برفض وقف اطلاق النار والإصرار على ربط حرب الاستنزاف من لبنان بحرب غزة. وربما شكل التقدم الذي حققته القوات الإسرائيلية في المنطقة الشمالية لقطاع غزة، والتقلص الكبير في مساحة سيطرة حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية في القطاعين الأوسط والجنوبي حافزاً لرفض ايران ومن خلالها فصائلها الإقليمية مثل "حزب الله" انهاء المناوشات التي تقوم بها في محاولة لإنقاذ "حماس" في غزة.
بناء على ما تقدم سيواصل "حزب الله" سياسة اللعب بالنار التي يمارسها منذ 99 يوماً انسجاماً مع قرار مرجعيته الإقليمية. وستستمر حرب الاستنزاف من الجنوب اللبناني الى أن ترفع إسرائيل من مستوى المواجهة و تنقل المواجهة الى مناطق جديدة خارج نطاق عمق 10 كيلومترات من الحدود، لكي تضع "حزب الله" أمام خيارين أحلاهما مر: اما وقف حرب الاستنزاف الحاصلة راهناً، أو الذهاب الى حرب شاملة لا تبقي و لا تذر.
في الأثناء، تتفق جميع التقديرات الدولية على أن حرب غزة ستتواصل، إلى أن يتم اقصاء حركة "حماس" من القطاع. والقرار إسرائيلي مدعوم أميركياً بصرف النظر عن العلاقات المتوترة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
- آخر تحديث :
التعليقات