تتوالى فصول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعدما تجاوزت ١٠٠ يوم، مخلفةً عشرات الآلاف من الضحايا؛ سواء كانوا قتلى أو جرحى، ومشردةً لعشرات الآلاف من منازلهم وأحيائهم في كارثة إنسانية هائلة.

وعلى الرغم من تلك الكارثة إلا أن الأسئلة التي طُرحت في بداية هذا الصراع لا تزال تُطرح هي نفسها. إسرائيل، من جهتها، تريد القضاء على حركة حماس وإعادة المخطوفين ومنع القطاع أن يكون مصدر تهديد لها خلال السنوات القادمة، بالمقابل هي لا تريد الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وبحقه بتقرير مصيره وبناء دولته المستقلة القابلة للحياة؛ وفقاً لحلِّ الدولتين، ومع أن حلَّ الدولتين هذا، تُجمِع عليه كل الأطراف الإقليمية والدولية إلا أن وضعه موضع التنفيذ لا يبدو خياراً أمريكياً، فقد أصبح جزءاً من الخطاب السياسي الأمريكي، لكن دون إجراء حقيقي يدفع إسرائيل إلى تطبيق هذا الحل وإنهاء الصراع.

وزير الخارجية الأمريكي، في زيارته الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط ولقائه مع مسؤولين وعلى رأسهم القادة في المملكة العربية السعودية، استمع بشكلٍ واضحٍ إلى رغبة الأطراف الإقليمية؛ وعلى رأسها المملكة، بإيجاد حلٍّ شاملٍ ودائمٍ يضمن حقوق الشعب الفلسطيني كأساس لعودة الاستقرار إلى المنطقة، وهذا استمرار في مواقف المملكة التي لطالما وقفت مع الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه، فقادت المبادرة العربية التي تأتي في إطار حل الدولتين. تل أبيب في تصريحات مسؤوليها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا تريد العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر، وتجاهل القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين فقط، بل تريد العودة إلى ما قبل اتفاقات أوسلو، وبالتالي استمرار الصراع لسنوات ولعقود قادمة.

تهديد الملاحة الدولية واستهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والمناوشات التي تجري في جنوب لبنان، كل هذه إشارات إلى توسُّع الصراع لكي يتحول إلى صراع إقليم، صحيح أن هذه المناوشات ليست بالضرورة مرتبطة بالوضع الفلسطيني، ولكنها في كثيرٍ من الأحيان تخدم أهدافاً لقوة إقليمية بعيداً عن عدالة القضية الفلسطينية، ومع ذلك فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يبقى هو (اليافطة) التي تتغذى عليها الخطابات الإعلامية لهذه الأطراف.

إعادة الاستقرار إلى المنطقة ووضعها على طريق التنمية والازدهار يبدأ بإيجاد حلٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية، وإيجاد حلول للقضايا المتفجرة في هذه المنطقة عبر الحوار والمفاوضات، ولعل ما قامت به المملكة العربية السعودية، خلال الأعوام القليلة الماضية، بتجاوز كل الخلافات وبناء حوار مع أطراف إقليمية من أجل الوصول إلى تهدئة على مستوى المنطقة، هذه السياسة السعودية ربما تمثل نموذجاً يجب الاقتداء به بفتح باب المفاوضات مرة أخرى، وانخراط دولي أكبر في الضغط على كافة الأطراف من أجل الوصول إلى حلول عادلة وشاملة، خصوصاً أن هذه الأطراف الدولية مجمعةً على الإطار العام لحل القضية الفلسطينية، وخصوصاً حل الدولتين، لذلك فإن الاقتراح الصيني بالدعوة إلى مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية ووضع إطار زمني لحل الدولتين ربما يكون نقطة جيدة يمكن البناء عليها إذا ما صدقت النوايا وتم الابتعاد عن لغة الانتقام.